فريقان منهم جازع بطن نخلة ... وآخر منهم قاطع بطن كبكب
قال تعالى «فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ١١» الاقتحام الدخول بسرعة وضغط وشدة بأن يرمي نفسه بالأمر الذي يريده بلا روية ولا تؤدة، والعقبة الطريق الذي فيه صعود، أي الا فعل الخير ولم يقصر في شكر نعم ربه، ولم يتبع نفسه هواها بالأذى والإضرار والمباهاة «وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ ١٢» جاء السؤال هنا على طريق الاستفهام تعظيما لشأنها والجواب، هي شيئان خفيفان على من وفق، الأولى «فَكُّ رَقَبَةٍ ١٣» مملوكة بأن تعين في ثمنها، أو تعتقها ابتغاء مرضاة الله، والثانية «أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ١٤» من أيام احتكار أو مجاعة شديدة عامة والأولى بالإطعام فيها أولا أن يطعم «يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ ١٥» لأنه أولى من غيره ففيه يجمع بين الصدقة والصلة وفيهما من الأجر ما فيهما والقربة مطلق القرابة في النسب، قال الزجاج لا يقال فلان قرابتي لأن القرابة مصدر بل يقال ذو قرابتي، وفيه قيل:
يبكي الغريب عليه ليس يعرفه ... وذو قرابته في الحي مسرور
أي بنيل إرثه والاستيلاء عليه «أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ ١٦» أي لاصق جنبه بالأرض لشدة فقره ولعدم من ينظر إليه من ذويه وغيرهم، ولا شيء يقيه من التراب لأنه ينام على الأرض.
[مطلب الحكمة الشرعية من الصدقات:]
وأفضل الصدقة التي تكون على مثل هؤلاء، أما الذين لهم شيء يعلم به المتصدّق فينبغي ألا يعطيه من فضله بل يصرفه على الأحوج، هذا في الصدقة، أما الهدية فهو بالخيار والحكم الشرعي هو أنه ينبغي على الرجل أن يعطي صدقته إلى الأحوج من أقربائه ثم من جيرانه، ثم من أصدقائه ومعارفه وأن يختار الأتقى وقليل المسألة. قال صلّى الله عليه وسلم اختاروا لصدقاتكم كما تختارون لنطفكم. أي كما أن الرجل إذ أراد أن يتزوج يختار الأحسن تقى ونسبا إذ قال (عليك بذات الدين) لمن سأله ممن يتزوج، لأن الفقير المتقي يستعين بما يأخذه على تقوى الله، وأما الفاسق فقد يصرفها في المعصية. «ثُمَّ كانَ» هذا الذي وفق لاقتحام العقبة وعمل الخير «مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وعملوا الصالحات» يفعلهم ذلك وسيلقى ثوابه عند ت (١٨)