جل شأنه قسم عباده إلى قسمين فقال «فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ ٦» بعمله الصالح وطاشت سيئاته لقلتها «فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ ٧» في جنة عالية يرضاها صاحبها برضاء الله «وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ ٨» بعمله الطالح وطاشت.
وثقلت أعماله السيئة «فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ ٩» في نار حامية يزج فيها ويقال للمأوى أم على التشبيه لأن الولد يفزع لأمه عند ما يخاف والأم تأوى له فإذا كبر لجأ إلى أبيه عند النوائب فإذا كبر لجأ إلى الحاكم فإذا فقه لجأ إلى السلطان، وهكذا يتدرج بسبب انكشاف القوة التي هي أعلى حتى يتم عقله فيلجأ إلى الله حتى يتبين له أن كل أحد عاجز عما يريده إلا الله، وهكذا الناس الآن فلو أنهم لجأوا إلى الله قبل كل شيء بعقيدة راسخة لما احتاجوا لمن هو دونه والهاوية اسم من أسماء النار لا يدرك قعرها يأوي إليها المجرمون أجارنا الله منها. وقال بعض المفسرين المراد بأمه أمّ رأسه لأنهم يطرحون فيها على رؤوسهم، والأول أولى وأن أهل النار يدفعون فيها دفعا وطرحا وزجا على وجوههم ورؤوسهم لا يؤبه بهم لحقارتهم، والحكم أنه لا يقال أن الأعمال أمور معنوية لا يتأتى فيها الوزن لأنها تجسّم يوم القيامة، ولا يستبعد هذا على من يسخر الجوارح بالشهادة على ذويها لأن في القيامة ما لا يخطر على قلب بشر، ولا يتصوره العقل راجع تفسير الآية ٢٣ من سورة الفجر المارة والآيتين ١٠٧ و ١٠٩ في ج ٢ تجد أن القيامة يقع فيها أشياء خارقة للعادة «وَما أَدْراكَ» أيها الإنسان «ما هِيَهْ ١٠» هي داهية دهماء تصفر منها الأعضاء وهي
«نارٌ حامِيَةٌ ١١» جدا بلغت حرارتها النهاية وعذابها الغاية، نعوذ بعظمة الله منها ومن أهلها.
روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في الدنيا وثقله عليهم، وحق لميزان بوضع فيه الحق غدا أن يكون ثقيلا، وانما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل في الدنيا وخفته عليهم، وحق لميزان بوضع فيه الباطل غدا أن يكون خفيفا. هذا، والله أعلم، وأستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلّى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وأصحابه واتباعه أجمعين.