لذلك حقق الله فيهم الإفساد بدليل قوله (ألا) المركبة من همزة الاستفهام ولا النافية، والاستفهام إذا دخل على النفي أفاد التحقيق. ثم أكده بأن المفيدة للتأكيد أيضا، فظهر (إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ) حقا بفعلهم ذلك «وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ ١٢» بأن فعلهم هذا يوجب تعذيبهم عند الله لما يترتب عليه من المفاسد بين المؤمنين وانهم قد يستخفون بذلك كاستخفاف الذين أشاعوا الفاحشة وصاروا يتشدقون بها حتى أنزل الله فيهم (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) الآية ١٥ من سورة النور الآتية، وما قاله بعض المفسرين من أنهم لا يشعرون أن عملهم ذلك إفساد، لا يناسب المقام، ويدفعه كلمة الاستدراك التي جيء بها هنا، بخلاف الآية الأولى في المخادعة، إذ لم يدخل عليها الاستدارك، لاحتمال أنهم يظنون أن مخادعتهم وإبطانهم الكفر وإظهار الإيمان تخفى على رسول الله وعلى المؤمنين، ولا يعلمون أن الله تعالى يخبر رسوله بها، وهو يخبر أصحابه، فبين الآيتين فرق عظيم في اللفظ، وبون شاسع في المعنى، ولأن الذي يتكلم بالفساد ولا يعلم أنه فساد لا يؤاخذ مؤاخذة العالم بذلك، قال:
وللزنبور والبازي جمعا ... لدى الطيران أجنحة وخفق
ولكن بين ما يصطاد باز ... وما يصطاده لزنبور فرق
وهذا إما ناشىء عن جهل مركب اعتقدوا بسببه الإفساد إصلاحا لما تكاثف على قلوبهم من رين المعاصي فوقعوا في محنة الجهل، كما جاء في قوله:
يقضى على المرء في أيام محنته ... حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن
وأما ما جاء على حسب عادتهم في الكذب والبهت الذي سبب لهم بيع الآخرة بالدنيا فيقال لأمثالهم:
أيا بايعا هذا ببخس معجّل ... غبنت ولا تدري إذا كنت تعلم
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة ... وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
راجع الآية ٥٩ من سورة الروم في ج ٢. قال تعالى «وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ» من المهاجرين والأنصار الذين بينكم، إيمانا صادقا مخلصا صرا وعلانية «قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ» الجهلة خفيفو العقول قليلو الرويّة، وهذا مما يقولونه فيما بينهم عقد ما يتذاكرون فيما يأمرهم به حضرة