للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويوقعنكم في الجريمة «شَنَآنُ» بغض وكراهة «قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ» في حادثة الحديبية وغيرها «أَنْ تَعْتَدُوا» عليهم بعد أن فتح الله عليكم وأظهركم عليهم وأعتقهم رسولكم لقوله أنتم الطّلقاء بعد أن استسلموا اليه، ولهذا صدر الله هذه السّورة بالأمر بالوفاء «وَتَعاوَنُوا» أيها المؤمنون «عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى» فيما بينكم واعفوا عمن أساء إليكم وغضوا عن مساويهم ومنهم الخطيم المذكور، لأن مجيئه إلى الحرم متلبسا باعلام الحج قبل نزول آية منع المشركين منه، فلا تتعرضوا له «وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ» بقصد الانتقام والتشفي بل اجتنبوا كلّ ما يؤثمكم «وَاتَّقُوا اللَّهَ» بجميع أموركم وفيما بينكم وبين غيركم واحذروا عقاب الله أن تقدموا على شيء من محارمه «إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ» (٢) لمن يتعد حدوده فلم يتمثل أوامره ويجتنب نواهيه ثم بين المراد من قوله (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) المذكورة في الآية الأولى بقوله «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ» والمراد بالميتة الميتة حتف أنفها، لأن الموت في غالب الأحوال لا يكون إلّا عن مرض وهو يقلل من نفع الحيوان وكثيرا ما يجعله ضارا وقد يصاب آكله من نوع ذلك المرض، وإذا كان الموت عاديا فإن دمه يبقى في عضلاته بما يحمل من مواد ضارة وأخرى سامّة قد تؤدي إلى وفاة الآكل، أما ما يقال بان الطّبخ يذهب ذلك فليس بصحيح لأن من المواد ما لا ينهكها الطّبخ مهما بولغ فيه، وقد ذكرنا أن طاعة الله واجبة فيما له سبب وما لا، وعلينا أن نعلم أن الله تعالى لم يحرم علينا شيئا إلّا لدفع ضرر عنا أو قصد منفعة لنا وذلك حفظا لسلامتنا وراحتنا وكياننا، ولئلا نصاب بأمراض جسمية وعقلية بأنفسنا. واعلم أن المراد بهذا الدّم هو السّائل في الحيوان الحي أو غيره والمتجمد في الميت لأنه نسيج أعد لنقل ما تحتاجه العضلات من الأوكسجين والمواد الغذائية والتخلص من النّقايات مثل ثاني أكسيد الكربون وحمض اليولينا وغير ذلك من المواد الضّارة بالجسم التي يحملها الدّم في أعضاء الإخراج، وبذا يكون ضرره عظيما، ويشتد ضرره إذا كان الحيوان المأخوذ منه الدّم مريضا، وإذا مات الحيوان احتبس الدّم في عروقه فتفسد حالا لأنه أسرع أجزاء الجسم

<<  <  ج: ص:  >  >>