يصرّون على الكفر، وفيه وعيد وتهديد لأهل مكة بأنهم إذا لم يؤمنوا يكون مصيرهم الهلاك كالأمم السابقة، قال تعالى «وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ» على خلاف العادة ليؤمنوا بك «فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ ١٤» يصعدون وينظرون ما فيها من العجائب العظيمة، والمعارج المصاعد وهي قواطع السلم الذي يصعد عليه بها كالدرج، «لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا» حبست عن النظر وتحيّرت وأغشيت بما يمنعها من حقيقة المرأى، أي لأنكروا ما شاهدوه فيها وجعلوه خيالا ولم يتعظوا بشيء من ذلك ولقالوا «بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ١٥» من قبل محمد، إذ موّه وخيل لنا أشياء لا حقيقة لها، والمعنى أن الله تعالى يقول لو جعل لهم ذلك على سبيل الفرض وشاهدوه عيانا لما آمنوا ولقالوا قد سدت أبصارنا عن الحقيقة أو سحرنا محمد، وأصروا على كفرهم، وهؤلاء الذين هم في أزل الله يموتون على كفرهم لا ينتفعون بما آتاهم الله من الهدى والرشد. قال تعالى «وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً» عظاما كالقصور العالية الفخمة في الأرض، من حيث الاسم وإلا فلا يقاس بعظمتها ما في الدنيا كلها، وصيرناها منازل للشمس في سيرها وهي بروج الفلك الاثني عشر، ولكل برج منها ثلاثون درجة، فمجموعها ثلاثمائة وستون درجة وتقطعها الشمس في كل سنة مرة واحدة كل برج في شهر، وبها تتم دورة الفلك، ويقطعها القمر في ثمانية وعشرين يوما، وتنقسم على المواسم الأربعة، ونظير هذه الآية الآية ٦٠ من سورة الفرقان المارة في ج ١، وقد ذكرنا فيهما بعض ما يتعلق في هذا البحث فراجعه، وقد أوضحنا ما هية البروج في سورة البروج المارة في ج ١ أيضا، ولهذا البحث صلة في أوائل سورة تبارك الملك الآتية، أما منازل القمر فهي ثمانية وعشرون منزلة لكل برج منزلتان وثلث، إذ ينزل كل ليلة منزلة وتقيم الشمس في كل منزلة منها ثلاثة عشر يوما، وهي مواقع النجوم التي أقسم الله بها في الآية ٧٥ من سورة الواقعة المارة في ج ١ كما أشرنا إليه في الآية ٤٠ من سورة يس المارة في ج ١ أيضا فراجعها تجد ما تريد وما يخطر ببالك، وقد نسبت العرب إليها الأنواء الممطرة التي وعدنا ببيانها قبل في الآية ٢١ من سورة يونس المارة، وها نحن أولاء نبينها على التفصيل فنقول وبالله التوفيق وهو الملك الجليل: