كنا على دين واحد وهو عبادة الله وحده، فأكرهنا الملك دقيانوس على عبادة الأوثان، فهربنا منه وتبعنا راعي غنم وكلبه، وقد أوينا إلى الكهف بجبل مخلوس ونمنا فيه، فلما انتبهنا لم نعلم المدة التي نمنا فيها لما رأينا من هيأتنا، وقد أرسلني إخوتي لأشتري لهم طعاما والتجسس الأخبار، وقد ظهر لي تبدل كثير في المدينة وأهلها، ولما أعطيت قطعة من ورقي لبائع الطعام صار على ما ترون، وإن لم تصدقوا فانطلقوا معي إلى الكهف أريكم أصحابي، فانطلقا وغالب أهل المدينة معهم، ولما قربوا من الكهف سمع أصحابه اللغط، فظنوا أن جنود الملك جاءت لتأخذهم فسلم بعضهم على بعض وقالوا لنذهب إلى الجبار ونرى صاحبنا، فلما هموا ليخرجوا فإذا المديران ويمليخا وأهل البلد على باب الكهف، فتقدم يمليخا وقص عليهم الخبر، فعرفوا أنهم كانوا تياما بأمر الله ذلك الزمن الطويل، وأوقظوا ليكونوا آية للناس على صدق البعث، ثم رأوا تابوتا من نحاس داخل الكهف مختوما، وكان رجلان مؤمنان بدروس وروماس يكتمان إيمانهما زمن الملك دقيانوس كتبا أنساب الفتية في لوح من رصاص ووضعاه في التابوت وطرحاه في الكهف، ففتحوه فإذا فيه:
إن مكسليخا ويمليخا ومخشلينا وطرطوس وكشطونس وبيرونس وديموس وبطيوش وقالوس والكلب قطمير كان هؤلاء فتية هربوا من ملكهم دقيانوس مخافة أن يفتنهم عن دينهم، فدخلوا الكهف، فلما أخبر الملك بمكانهم أمر بسده عليهم بالحجارة وإنا كتبنا أسماءهم وشأنهم ليعلم من بعدهم حقيقتهم. فلما رأوا ذلك عجبوا ودهشوا، وأرسلوا خبرا إلى ملكهم الصالح بندوسيس أن أقبل، فإن الله أظهر لك آية على البعث، فجاء ودخل الكهف هو ومديراه وحيوهم بالسجود المعتاد إذ ذاك وتعانقوا معهم وصاروا يسبحون الله تعالى ويحمدونه ويمجدونه، ثم ان الفتية بعد ذلك قالوا للملك ومديريه إنا نستودعكم الله وناموا فتوفاهم الله تعالى. ثم إن الملك أمر بأن يصنع تابوت لكل منهم ليوضع فيه وأن يدفنوا في الكهف كل بمحل نومته وأن يعمر مسجد على باب الكهف، وكان ذلك، ولما رجعوا تحروا خزانة الملك فوجدوا لوحا مكتوبا فيه أسماؤهم وأنسابهم وشأنهم كما في اللوح الذي وجدوه بالتابوت الكائن معهم في الكهف، وقد آمن أهل البلد كلهم لظهور هذه الآية العظيمة، والله أعلم.