ثانيا لأن الزمن زمن قحط وإنا بحاجة للطعام كما تعلم، ولا تخف عليه فاتركه يذهب معنا «وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ٦٣» لا نفرط به البتة، فلم يجب طلبهم، لأنه لما أجاب طلبهم بيوسف فعلوا ما فعلوا به، ولهذا «قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ» أي كيف آمنكم عليه وقد فعلتم في أخيه ما فعلتم وقد قلتم مثل هذا القول المؤكد بأصناف التوكيد وأكثر ثم فرطتم به لا أسلمه لكم ولا آمنكم عليه «فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً» منكم ومني ومن الخلق أجمع «وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ٤٤» بي وبه وبكم وبسائر مخلوقاته ولكن اذهبوا إليه وقولوا له إن أبانا يصلي عليك أي يدعو لك على ما أوليتنا من معروف وهو يجيب طلبكم إن شاء الله، ولما رأوا جزم أبيهم على عدم إرساله سكنوا «وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ» إذ رأوها مدسوسة بين أمتعتهم فدهشوا وعادوا إلى أبيهم «قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي» أيّ شيء نعمل وراء ما فعل بنا من الإحسان ملك مصر وأوفى لنا الكيل وأكبر وفادتنا فما نطلب منه بعد ذلك كله و «هذِهِ بِضاعَتُنا» التي أعطيناها له من ثمن القمح الذي باعه لنا «رُدَّتْ إِلَيْنا» أيضا فلا نحتاج إلى ثمن آخر، فهيء لنا أخانا لنذهب به إليه ثانيا «وَنَمِيرُ» نحمل الطعام ونجلبه من بلد آخر من مار يمير والمصدر الميرة، أي نمير «أَهْلَنا» به «وَنَحْفَظُ أَخانا» من كل ما نخاف عليه مما خطر ببالك ومما لم يخطر حتى نرده إليك سالما «وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ» على السفرة الأولى، لأن الملك لا يعطي الرجل الواحد أكثر من حمل واحد «ذلِكَ» القمح الذي جلبناه في المرة الأولى «كَيْلٌ يَسِيرٌ ٦٥» قليل لا يكفينا وأهلنا فضلا عن الضيفان، وأن الملك يسهل عليه ما يعطينا ولا يتعاظمه علينا لما شاهدنا منه من العطف واللطف «قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ» بالتاء والياء «مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ» عهدا موكدا باليمين «لَتَأْتُنَّنِي بِهِ» سالما كما أخذتموه وتحسنوا رفقته، وهذا اليمين لا أقبله منكم على الانفراد بل من جميعكم، على أن لا تتركوه «إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ» من قبل الأعداء فتغلبوا جميعكم عليه، بحيث لا تقدرون على خلاصه والرجوع به إليّ، بأن تقاربوا الهلاك، في ذلك تقول العرب أحيط بفلان إذا هلك أو قارب الهلاك.