لا عبادة فيها، والصلاة والزكاة عبادة تنقطع بالموت، لذلك جعل نهايتها الحياة وهذان الفرضان تعبّد الله بهما كل أنبيائه وأممهم وكذلك الصوم والقصاص إلا أنها كانت مفرقة على الأنبياء على غير هذه الصفة والقدر المبين في شريعتنا، لأن نبينا صلى الله عليه وسلم جاء بشريعة جامعة لما تشتت من شرائع الأنبياء قبله، ولم تجمع الصلوات الخمس إلا له ولأمته، فالصلاة والزكاة من حيث الأصل فرضت على جميع الأنبياء وأممهم كما يفهم من الآية ١٨٣ من سورة البقرة في ج ٣، ولكن تختلف في الكيفية والكمية عما فرض علينا «وَبَرًّا بِوالِدَتِي» أوقرها وأكرمها وأعظمها على سائر الناس، وفي تخصيص برّه بوالدته اشعار صريح بأنه لا والد له وإيذان ببراعتها مما رموها به، وإشارة بطهارتها وعفافها، ولهذا استحقت البر منه «وَلَمْ يَجْعَلْنِي» ربي الذي منّ علي بما ذكرته لكم «جَبَّاراً شَقِيًّا» ٣٢ متكبرا عاقا عاصيا، وفي قوله جبارا إعلام بنزاهة أمه أيضا مما وصمت به بسببه، قال بعض العلماء لا تجد العلق أي ابن الزنا إلا جبارا. ولهذا نفى عنه عليه السلام هذه الصفة الخبيثة «وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا» ٣٣ تقدم تفسير مثلها في الآية ١٥ المارة، وقد أخبر بهذه الآية قومه بأنه عليه السلام آمن عند ربه في هذه المواطن الثلاثة التي قل من يأمن منها، وفي بدء جوابه عليه السلام لقومه اعتراف على نفسه بالعبودية لله، كأنه نفت في روعه أن من الناس من يتخذه إلها فنبّه قومه مقدما بأنه عبد الله من جملة عيده تبرأ مما سيقوله المتوغلون في حبه واعتذارا مقدما إلى ربه ليكون حجة له عنده وحجة على الذين يتخذونه إلها فمن قومه من قنع وصدق، ومنهم من استعظم وكذب، ونشأ صلى الله عليه وسلم على أكمل الأوصاف في غاية من التواضع ونهاية في الأدب يأكل الشجر ويلبس الشعر ويجلس على التراب ولم يتخذ مسكنا له ويتصدر لقومه ويقول سلوني عن أموركم فإني لين القلب صغير النفس، ولهذا البحث صلة في تفسير الآية ٤٥ فما بعدها من آل عمران في ج ٣، قال تعالى «ذلِكَ» الذي خلقناه من روحنا على الوجه المار ذكره والذي وصف نفسه بتلك الصفات هو «عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ» نبيّنا