أنطقه به الله فيه تعليم لمكيدتهم، إذ لم يقع في نجواهم شيء من هذا ولم يخطر ببالهم أن الذئب يأكل البشر إذ ذاك، قال الشاعر:
ومن سرّه أن لا يرى ما بسوءه ... فلا يتخذ شيئا يخاف له فقدا
ثم ألهمه الله زيادة على ذلك بأن بين لهم ما يعتذرون به فختم كلامه بقوله «وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ ١٣» لاهون بصيدكم ولعبكم ورميكم، فقد لقنهم عليه السلام ما يحتجون به وما يعتذرون منه إليه وقد وقع هذا القول منه عليه السلام لأولاده لأن الأنبياء عليهم السلام لمناسبتهم التامة بعالم الملكوت تكون واقعاتهم واقعة، ومن الأمثال: البلاء موكل بالمنطق. أخرج أبو الشيخ وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تلقنوا الناس فيكذبوا فإن بني يعقوب لم يعلموا أن الذئب يأكل الناس، فلما لقنهم أبوهم كذبوا، فقالوا أكله الذئب. والحزن ألم القلب لفقد محبوبه. والخوف انزعاج النفس لنزول المكروه «قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ ١٤» عاجزون هالكون إذا لم نقدر على حفظه من الذئب بل من الأسد، كيف وهو أعزّ شيء عندنا، فلما رأى عزمهم على حفظه وحزمهم على محافظته بعد أن أقسموا إليه بإزالة ما خطر بباله واطمأنوا على سلامته ورأى رغبة يوسف بالذهاب معهم، عهد إليهم بمراقبته، وتعهدوا إليه بذلك كله، أذن لهم به، ففرح يوسف لموافقة أبيه ولم يصدقوا متى ينقضي الليل، فلما أصبحوا أخذوه معهم «فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ» إلى البادية وبعدوا عن العمران وصرفوا النظر عن قتله اتباعا لقول يهوذا صاحب مشورتهم «وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ» المار ذكره فعمدوا إليه وقبضوه وطرحوه فيه. هذا ما قصه الله علينا في كتابه. أما الأخباريون فقالوا لما بعدوا به عن العمران أظهروا له الجفاء والعداوة مما هو كامن في صدورهم، طفقوا يضربونه، وصار كلما استغاث بواحد منهم ضربه، فلما رأى عزمهم على قتله شرع يصيح يا أبتاه لو رأيت ما نزل بيوسف من اخوته لأحزنك وأبكاك، يا أبتاه ما أسرع ما نسوا عهدك وضيعوا وصيتك، فأخذه روبيل وضرب به الأرض وجثم على صدره ليقتله، فاستغاث بيهوذا فأدركته رحمة الأخوة ورقّ له، فقال يا اخوتي