ما على هذا عاهدتموني فخلّصه من يده، وقال ألقوه بالجب، فإما أن يموت أو يلتقطه بعض السيّارة. فذهبوا إلى بئر هناك ضيق الرأس واسع الأسفل فشدوه بحبل ودلوه فيه، فتعلق بشفيرها وكانوا شلحوه قميصة، فقال دعوه أستتربه، فلم يفعلوا، وقال لهم أتتركوني في هذه البرية وبهذا الجب فريدا وحيدا؟! فقالوا له دع الشمس والقمر والكواكب يسترونك ويؤنسونك، وأرسلوه في البئر وهو يستغيث بهم ولا مغيث، ولما بلغ نصف البئر ألقوه إرادة موته، وكان في البئر ماء فسقط فيه، وتركوه ورجعوا وقالوا إن ملكا أرسله الله إليه فحلّ وثافه، وأخرج له صخرة من البئر فأجلسه عليها، وقالوا إن يعقوب لما بعثه مع إخوته أخرج له قميص إبراهيم الذي كساء الله إياه في النار حين ألقي فيها وهو من الجنة، فجعله في قبعته وجعلها في عنقه، فأخرجه الملك وألبسه إياه، فأضاء له الجب من بريقه، وعذب ماء الجب، وصار له غذاء وشرابا، ولما نهض الملك ليذهب وكان جبريل عليه السلام قال له يوسف إذا خرجت استوحشت، فقال له إذا رهبت فقل: يا صريخ المستصرخين، ويا غوث المستغيثين، ويا مفرج كرب المكروبين، قد ترى مكاني، وتعلم حالي، ولا يخفى عليك شيء من أمري، فقالها فاستأنس وحفته الملائكة. قال تعالى «وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ» في البئر حال صغره كما أوحينا إلى عيسى ويحيى من بعده في صغرهما، وكان عمره سبعة عشرة سنة كما قدمناه في الآية ٧ المارة «لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا» الذي فعلوه بك وأنت صاحب السلطة عليهم «وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ١٥» أنك أنت يوسف كما أنهم لم يشعروا كيف آنسناك بالبئر وجعلنا ماءه لك طعاما وشرابا، ولا يعلمون حينما يأتونك في مصر ليمتاروا لأهلهم وأنت عامل فيها، ولا يعرفونك إذ يأتونها وأنت ملكها لطول العهد وعدم تصور أذهانهم بما تصير إليه إذ ذاك من علو الشأن وعظمة السلطان ولا يدرون بأنا أعلمناك بأنك ستخبرهم بصنيعهم هذا معك، وفائدة هذا الوحي تطبيب قلبه وإزالة الهم عنه وغم الوحشة تقوية لجنانه، وهذا الوحي إما بواسطة الملك الذي كان معه في البئر أو بإلهام من الله، والأول أولى لما مر.
قالوا ولما أتموا فعلتهم هذه لم يروا ما يعتذرون به إلا ما لقنهم أبوهم، فعمدوا إلى