لهم في الآخرة «فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٥) » في الدنيا وتكذبون الرسل والكتب. قال تعالى «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا» الناس «عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ» بين الله في الآية السابقة كيفية عبادتهم الدينية بأنها عبارة عن سخرية واستهزاء، وذكر في هذه الآية عبادتهم المالية بأنها في مناوأة الله ورسوله، ولهذا قال جل قوله «فَسَيُنْفِقُونَها» بهذا القصد عبثا وسدى في الدنيا «ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً» وندامة يوم القيامة «ثُمَّ يُغْلَبُونَ» فلا يظفرون بما يؤملون وتكون عليهم خسارة في الدارين، وأن صدّهم الموقت سيزول ويتولى البيت أهله، «وَالَّذِينَ كَفَرُوا» وماتوا على كفرهم «إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (٣٦) » لا إلى غيرها، وإنما كان ذلك جزاءهم في الآخرة «لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ» فينجي الطيب «وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ» يجمعه ويضم بعضه إلى بعض «جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ» فريق الخبثاء «هُمُ الْخاسِرُونَ (٣٧) » أنفسهم وأموالهم المغبونون في الدنيا والآخرة. وهذا آخر الآيات السبع التي نزلت في مكة قبل الهجرة، فلم ينزل بعدها شيء فيها، وهي ثماني آيات، وقد أمر رسول الله بوضعها هنا من هذه السورة بإشارة من الأمين جبريل عليه السلام، وهو طبق ما هو مدون في لوح الله المحفوظ. وبقية آي السورة هذه كلها مدنية، وتقديم نزول بعض الآيات على بعض كما هو الواقع بأكثر سور القرآن العظيم المدني منها، والمكي كان بسبب الحوادث والوقائع والسؤال، وترتيب الآيات والسور على ما هو ثابت في المصاحف هو الموافق لما في علم الله المطابق لما أنزله إلى بيت العزّة، وان عمل عثمان رضي الله عنه مقصور على نسخه في المصاحف وأمر الكتبة الأمناء بإثباته ونقله من الصحف التي كانت عند عائشة رضي الله عنها المرتبة يعلم وامر حضرة الرسول، وتحرير بعض حروف الكلمات على لغة قريش عند الاختلاف بالنطق بها من إمالة وإشباع ومد وقصر وقطع ووصل وهمز وتسهيل وفكّ وإدغام وتفخيم وترقيق وفصل وإيصال وتشديد وتخفيف وما أشبه ذلك مما لا يخالف رسم الكلمة بزيادة حرف أو نقصه، كما أوضحناه في المقدمة وتطرقنا له عند كل مناسبة كهذه.