قال الكلبي والضحاك ومقاتل: نزلت هاتان الآيتان الأخيرتان في المطعمين يوم بدر وهم أبو جهل وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وأبو البحتري والنضر وحكيم بن خزام وأبي بن خلف وزمعة بن الأسود والحارث بن عامر والعباس بن عبد المطلب، وكان كل منهم يذبح عشر جزر. قال ابن اسحق إنهما نزلتا في أصحاب العير، وذلك أنهم لما رجعوا من بدر طاف الذين فقدوا آباءهم على قريش وكلفوهم بالإنفاق عليهم كي يدركوا ثأرهم، ومعظمه العير كان لأبي سفيان، وبسببه وقعت حادثة بدر. وقال سعيد بن جبير ومجاهد نزلتا في أبي سفيان نفسه، لأنه جهز ألفين من الحبشة غير الذين استجاشهم لحرب أحد وأنفق عليهم أربعين أوقية من ذهب كل أوقية اثنان وأربعون درهما. واعلم أن هذه الحوادث الثلاث وإن كانت كل واحدة منها صالحة لأن تكون سببا للنزول ولكن ثبوت كون الآيات نازلة بمكة قبل حادثة بدر بسنتين وحادثة أحد بثلاث سنين ينفي ذلك، وكون الآيتين مسوقتين على كيفية نفقاتهم بعد بيان كيفية صلاتهم ومشعرتين بالتوبيخ على نوع الاتفاق والإنكار عليه يبعد القول بسبب النزول وسياق الآية الأولى لبيان غرض الإنفاق والثانية لبيان عاقبته يؤذن بأن المراد هو العموم، وانطباق الحوادث على ما جريات الآيات لا يعني أنها سبب لنزولها، وعاية ما فيها التشنيع على أعمال الكفار والتباعد عن مثلها والتحذير عن الوقوع فيما يستوجب الذم في الدنيا والعذاب في الآخرة. قال تعالى «قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا» يا سيد الرسل «إِنْ يَنْتَهُوا» عن الشرك ودواعيه ويكفوا عن عداوة الرسول وأصحابه ويؤمنوا بالله إيمانا حقيقيا لا لعرض ولا لغرض عن طيب نفس وحسن نية «يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ» من جميع أفعالهم مهما كانت «وَإِنْ يَعُودُوا» إلى حالتهم الأولى التي كانوا عليها قبل حادثة بدر ولم يتعظوا بها ويعتبروا بما حل
بهم فيها، فلا مناص لهم من عذاب يصيبهم مثل ما أصاب قومهم في بدر، وهي عادة جرى فيها أمر الله بأمثالهم «فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (٣٩) » الذين لم ينتهوا إلى ما يحل بهم بعد أن شاهدوا وسمعوا ما وقع بمن قبلهم، أي أنه لا بد وأن يجري عليهم من الهلاك والدمار مثل ما جرى على من قبلهم نصرة لنبيه وإعلاء لكلمته،