«يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ» يوم القيامة من ربهم «مَرَّتَيْنِ» لإيمانهم برسولهم وكتابهم الأولين، لأن اليهود آمنوا بموسى والتوراة، والنصارى آمنوا بعيسى والإنجيل، ثم أنهما آمنوا الآن بمحمد والقرآن، أي الرسول الثاني والكتاب الثاني بالنسبة لكل منهما، ولذلك اعطى كل منهما أجرين، ولا يضر اليهود عدم إيمانهم بعيسى بعد أن آمنوا بمحمد، لأن الإيمان به يجب ما قبله من الكفر كله أي يقطعه ويمحو أثره كما أن الكفر يمحق ما بعده، إذ لا يقبل الله عملا مع الكفر على شرط أن يصدقوا برسالة عيسى، لأن انكار نبوة واحد من الأنبياء كفر لا ينفع معه عمل من أعمال الخير، ومثل هذا لا ينفعه الإيمان بمحمد وكتابه حتى يذعن ويقر بعيسى وكتابه ويؤمن بهما. هذا وان الله تعالى يعطي إلى هؤلاء هذا الجزاء المضاعف «بِما صَبَرُوا» على ما كلفهم الله به من أمور الدين، وعلى أذى من آذاهم حتى بعث محمد فآمنوا به كما آمنوا قبلا بنبيهم، روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ثلاثة لهم أجران رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد، والعبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه، ورجل كانت عنده أمة يطأها فأدبها وأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها ثم تزوجها، فله أجران.
قال تعالى في وصفهم أيضا «وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ» أي أن هؤلاء الأبرار يدفعون العمل السيء بالأحسن، ويقابلون الشر بالخير، والقصاص بالعفو، والأذى بالصفح، والظلم بالعدل، والشتم بالدعاء «وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ» ٥٤ على الفقراء والمحتاجين فطوبى لهم وسقيا، ومن جملة ما هم متحلون به أيضا ما وصفهم الله به من الفضيلة بقوله جل قوله «وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ» الكلام البذيء وفضوله «أَعْرَضُوا عَنْهُ» فلم يخالطوا أهله ولم يبقوا معهم بل يتركوهم «وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا» بمقتضى ديننا «وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ» بحسب ما تدينون به فلا يقاتلونهم ولا يجادلونهم، وهذا على حد قوله تعالى (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) الآية الأخيرة من سورة الكافرون المارة، وقوله تعالى (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) الآية ٢٤ من سورة سبأ في ج ٢، ومن صفاتهم أيضا إذا تعدي عليهم قالوا «سَلامٌ عَلَيْكُمْ» أمان منا لكم بعدم المقابلة، وهذا سلام متاركة لا سلام تحية