مثله ما مر في الآية ٦٣ من سورة الفرقان المارة، والآية ٤٧ من سورة مريم المارة أيضا، كقولك لمن تغبر منه سلام عليك وتتركه وتذهب وقالوا أيضا «لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ»
٥٥ لا نطلب مقابلتهم ولا نخاطبهم ولا نصاحبهم، فهنيئا لهم على هذه الأخلاق الكاملة، ومن آداب الأبرار كظم الغيظ والسماح لمن يتعدى ويغلظ عليهم، ولين الجانب لمن يشدد عليهم. انتهت الآيات المدنيات. أخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها- أي هذه الآيات الأربع واخر الحديد نزلن في أصحاب النجاشي الذين قدموا منه وشهدوا وقعة أحد، أي كان نزولها في المدينة السنة الثانية من الهجرة وقال مقاتل: في هذه السورة من المدني (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) إلى (لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ) وقيل إن المعنيين في هذه الآيات أبو رفاعة في عشرة من اليهود آمنوا فأوذوا وصبروا. وأخرج ابن مردويه بسند جيد، وجماعة عن رفاعة القرطبي ما يؤيده. وقيل هم أهل الإنجيل الذين قدموا من الحبشة وآمنوا بالنبي محمد صلّى الله عليه وسلم وهم أربعون رجلا مع جعفر بن أبي طالب، فلما رأوا ما بالمسلمين من حاجة وخصاصة قالوا يا رسول الله إن لنا أموالا فإن أذنت لنا انصرفنا فجئنا بها فواسينا بها المسلمين، فأذن لهم فانصرفوا فأتوا بأموالهم فواسوا بها المسلمين، وهذا أنسب بالمقام لأن من أهل الإنجيل ذوي رقة وزهد، يؤيده قوله تعالى (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) الآية المارة، وما جاء في الآية ٨٢ فما بعدها من سورة المائدة في ج ٢، وما قيل إنها في عبد الله بن سلام لا يعول عليه لأنه لم بسلم بعد وهي صالحة لكل من القولين أما الأخير فلا، قال تعالى «إِنَّكَ» يا سيد الرسل «لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ» قريبا كان أو بعيدا «وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ» هدايته فيقذف في قلبه نورها فينشرح صدره للإيمان فيهتدي «وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» ٥٦ أزلا.
مطلب ما قاله أبو طالب لحضرة الرسول عند وفاته:
روى مسلم عن أبي هريرة قال إنك لا تهدي من أحببت.. إلخ نزلت في رسول الله صلّى الله عليه وسلم. حيث راود عمه أبا طالب على الإسلام، وكان شديد الحرص على إسلامه لكبير حقه عليه، وكثير محبته له، وحمايته من قريش وغيرهم، ولم يجرؤ أحد على الرسول إلا بعد وفاته حتى سمي عامها عام الحزن، لأن خديجة تلته بعد