للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديث، وعلى هذا وما جاء في سبب نزول الآية الأولى يفهم أن هاتين الآيتين نزلنا قبل فرض الجهاد وفرض الحج، لأن غزوة بدر بعد الأمر بالقتال وتكسير الأصنام بعد فتح مكة، وكلاهما لم يقع بعد. الحكم الشرعي وجوب الطواف بين الصفا والمروة، ويجب بتركه دم، وهو ليس من أركان الحج، وان قوله تعالى لا جناح عليه وإن كان يصدق على أن لا إثم على فعله فيدخل تحته الواجب والمباح والمندوب، وظاهر الآية لا يدل على الوجوب وعدمه، لأن اللفظ الدال على القدر المشترك بين هذه الأقسام الثلاثة لا يدل على خصوصية أحدها، بل لا بد من دليل خارج بدل على النص هل هو واجب أم لا. وهاك الأدلة على وجوبه، فقد روى الشافعي بسنده عن صفية بنت شبية قالت: أخبرتني حبيبة بنت أبي نخراة إحدى نساء بني عبد الدار قالت دخلت مع نسوة من قريش دار آل أبي حسين ننظر إلى النبي صلّى الله عليه وسلم وهو يسعى بين الصفا والمروة، فرأيته يسعى ومئرزه ليدور من شدة السعي حتى لأقول إني لأرى ركبته، أي أنها لم تر ركبته، وإنما أرادت المبالغة من شدة سعيه ودوران إزاره بسببه، قالت وسمعته يقول اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي، وصححه الدارقطني وإذا صح فهو المذهب الحق.

وروى مسلم عن جابر في صفة حجة الوداع من حديث طويل قال: ثم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ) أبدا بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا الحديث. وروى البخاري ومسلم عن عروة بن الزبير قال: قلت لعائشة زوج النبي صلّى الله عليه وسلم أرأيت قول الله (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ) الآية فما أرى على أحد شيئا أن لا يطوف بهما، فقالت عائشة كلا لو كان كما تقول كانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما، إنما نزلت هذه الآية في الأنصار كانوا يهلّون لمناة، وكان مناة اسم صنم حذو (قديد) [موضع معروف على طريق المدينة مر به صلّى الله عليه وسلم عند هجرته ورأى فيه أم معبد وأظهر على يده معجزة حلب النعجة التي لا حليب فيها] وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة (للسبب المتقدم وهو وجود الصنمين عليهما) فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فأنزل الله هذه الآية، فثبت من هذا كله وجوب السعي بينهما في قول الرسول وفعله وأمره.

<<  <  ج: ص:  >  >>