وقد قال تعالى (وَاتَّبِعُوهُ) الآية ١٥٨ من سورة الأعراف ج ١، وقال تعالى (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) الآية ٨ من سورة الحشر الآتية، وقال صلّى الله عليه وسلم: خذوا عني مناسككم. والأمر للوجوب ولقوله تعالى (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) الآية ١١٣ من سورة التغابن الآتية، وما بعد هذه الأدلة القاطعة من دليل، وليعلم أن التمسك بقوله تعالى (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً) ضعيف لعدم اقتضاء المراد من هذا التطوع أنه هو الطواف كما تقدم. ولما سئل علماء اليهود وأحبارهم عن آية الرحيم كتموها وأنكروا وجودها في التوراة كما أنكروا نعت الرسول أنزل الله تعالى قوله «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ» المنزل قبل القرآن على اليهود وهو التوراة المقدسة «أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ١٥٩» من جميع خلقه ويستمروا على لعنهم ما داموا كاتمين لذلك «إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا» وطهّروا أنفسهم بالصدق والتصديق «وَبَيَّنُوا» ما كتموه واعترفوا به «فَأُولئِكَ» القائمون بهذه الشروط الثلاث «أَتُوبُ عَلَيْهِمْ» وأقبلهم وأغفر لهم ذنوبهم السابقة وأكفر خطاياهم كلها «وَأَنَا التَّوَّابُ» لمن رجع إليّ كثير الرأفة به «الرَّحِيمُ ١٦٠» به فلا أعاقبه على ما سلف منه مهما كان، وهذه الآية وإن كان نزولها بمن ذكر فهي عامة في كل من يحذو حذوهم إذ لا مانع من شمول معناها لكل من يكتم شيئا مما أنزل الله سواء في التوراة أو إنجيل أو القرآن من أمر الدين والدنيا من مبدأ الكون إلى نهايته. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: لولا آيتان أنزلهما الله في كتابه ما حدثت شيئا أبدا: هذه الآية وآية (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ. الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ) الآية ١٨٨ من آل عمران الآتية.
الحكم الشرعي: يجب على العالم بشيء من أمور الدين الإجابة عند السؤال عنه وهو وجوب عيني، ويجب عليه وجوبا كفائيا إظهار علوم الدين للعامة والخاصة بأن يتصدر لها ويبثها بينهم إذا كان لا يوجد في المحل الذي هو فيه عالم غيره وإذا وجد فعلى أحدهم، فإن قام بذلك سقط الإثم عن الكل، وإلا فكلهم آثم.
وهكذا حكم كل وجوب كفائي كغسل الميت والصلاة عليه ودفنه. قال تعالى