للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أن الله تعالى يعدم هذه الذرات بالكلية ثم يعيدها نفسها كما كانت. ولا يرد هنا بأن إعادة المعدوم محال، لأن المعيد لها الذي خلقها من العدم أولا فليس محالا عليه أن يعيد ما خلق إلى حالته الأولى. وما جاء في حديث الصحيحين: ليس في الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب، منه خلق الخلق يوم القيامة. وفي رواية مسلم كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب، منه خلق ومنه يركب. وصحح المزني أنه يفنى لقوله تعالى (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) الآية الأخيرة من سورة القصص المارة، وقوله تعالى (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) الآية ٢٦ من سورة الرحمن في ج ٣، وعجب الذنب شيء على الأرض وعليه يكون تأويل الحديث أن كل الإنسان يبلى

بالتراب ويكون سبب فنائه إلا عجب الذنب فإن الله تعالى يفنيه بلا تراب كما يميت ملك الموت بلا ملك موت والخلق منه والتركيب يمكن بعد إعادته فليس ما ذكر نصا في بقائه، وبذلك قال ابن قتيبة. قال تعالى «قُلْ» يا محمد لقومك وغيرهم «لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي» من المطر والرزق والنعم الكثيرة من خزائنه الغير متناهية إذ لا يعلمها غيره.

واعلم أن إن أنتم هنا مرفوع بفعل يفسره الفعل بعده لأن لولا تدخل على الأسماء أي لو تملكون أنتم إلخ وهي حروف امتناع لا متناع بخلاف لولا فهي حرف امتناع لوجود، وعلى هذا قول حاتم وقد أسر فلطمته جارية فقال: لو غير ذات سوار لطمتني، أي لو لطمتني غير ذات سوار، وقول المتلمس:

ولو غير أخوالي أرادوا نقيصتي ... جعلت لهم فوق العرانين حيسما

وقول أبي جهل حين قتل ببدر: لو غير أكار قتلني هذا. فمن جعل أنتم مبتدأ فقد أخطأ لأنه فاعل كما علمت. قال تعالى «إِذاً» أي لو ملكتم خزائن رحمة الله «لَأَمْسَكْتُمْ» على الناس أرزاقهم شحا بها عليهم فلم تعطوا أحدا منها شيئا «خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ» مخافة النفاد والخلاص لشدة حرصكم مهما كان مالكم كثيرا «وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً» ١٠١ شحيحا جدا يبخل على نفسه ويبخل على غيره أيضا من باب أولى. هذا، ولا يقال إن بعض الإنسان جواد فكيف جاء في هذه الآية التعميم وقد قال في حضرة الرسول صلّى الله عليه وسلم:

<<  <  ج: ص:  >  >>