تعالى ردا لقولهم كيف يقولون ذلك «وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى» أنزلناه عليه كما أنزلنا هذا القرآن على محمد «إِماماً» يقتدي به قومه «وَرَحْمَةً» منا لمن آمن به وصدقه وعمل به وهو شاهد أيضا لما جاء به محمد لأن ما جاء فيه من المعاني مطابقة لما في قرآنه من التوحيد والوعد والوعيد والقصص والأخبار «وَهذا كِتابٌ» أنزلناه عليك يا محمد «مُصَدِّقٌ» لما قبله من الكتب في المعنى وخاصة فيما هو في كتاب موسى لأنه أعم من غيره بالنسبة لسائر الكتب وجعلناه «لِساناً عَرَبِيًّا» حال من فاعل مصدق وهو الضمير العائد للكتاب «لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا» منهم بلسانهم كي يفهموه ويعوه «وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ» ١٢ العاملين به «إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا» على إيمانهم وجمعوا بين التوحيد الذي هو خلاصة العلم والاستقامة في الدين التي هي منتهى العمل «فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ» مما يخافه غيرهم أن يلحقهم ما يكرهونه «وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ» ١٣ على ما فاتهم من الدنيا لأن الله عوضهم خيرا منها في دار جزائه ولا على ما يناله غيرهم مما يحبونه لأن كلا منهم راض بما أعطاه الله ويعتقد أن لا أحد أحسن منه من صنفه ولذلك فلا تحاسد عند أهل الجنة، راجع الآية ٣٠ من فصلت «أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ» ١٤ في دنياهم من الإحسان وناهيك بإحسان يكون من الملك الديان. وهذه الآية المدنية الثانية، قال تعالى «وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً» بأن يحسن إليهما ولا يسيء «حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً» حين ثقل عليها «وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً» بشدة الطلق حالة الوضع «وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ» فطامه عن الرضاع «ثَلاثُونَ شَهْراً» وذلك أن أقل مدة الحمل ستة أشهر وأكثر مدة الرضاع سنتان، فإذا وضع لأكثر من ستة نقص من مدة الرضاع مثل ما زاد على مدة أقل الحمل، فإذا كان الوضع لتسعة مثلا كان الرضاع واحدا وعشرين شهرا وهكذا، أما من يولد لتمام سنتين على قول أبي حنيفة أو لتمام أربع سنين على قول الشافعي رحمهما الله فهو نادر، وعلى كل يكون رضاعه دون السنتين، ولهذا البحث صلة في الآية ١٤ من سورة المؤمنين الآتية، «حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ» جمع لا واحد له من لفظه.