للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال سيبويه واحده شدة، راجع تفصيل ما فيه في الآية ١٤ من سورة القصص في ج ١، «وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً» هي نهاية تمام قوته واستوائه وغاية كمال شبابه وعقله وكماله، ولهذا جاء في الحديث أن الشيطان يمر يديه على وجه من زاد على الأربعين ولم يتب ويقول له يأبى وجه لا يفلح. وأخرج أبو الفتح الأزدي من طريق جديد عن الضحاك عن ابن عباس مرفوعا: من أتى عليه الأربعون سنة فلم يغلب خيره على شره فليتجهز إلى النار. وقيل في هذا المعنى:

إذا المرء في الأربعين ولم يكن ... له دون ما يهوى حياء ولا ستر

فدعه ولا تنفس عليه الذي مضى ... وإن جرّ أسباب الحياة له العمر

لأنه والعياذ بالله ينطبع على ما هو عليه فيصعب تبديل خلقه كما يستحيل تغير خلقه، وفي هذا المعنى أيضا يقول الآخر:

وماذا يبتغي الشعراء مني ... وقد جاوزت سنّ الأربعين

وقال الآخر:

أبعد شيي أبتغي الأدبا ... وكنت قبلا فتى مهذبا

إلا من شملته عناية الله فخصه بلطف منه بسائق ما قدر له في الأزل، لأنه قد يسبق عليه كتابه كما جاء في الحديث الصحيح المار ذكره. «قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي» ألهمني ووفقني «أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ» بالإيمان والهداية والرشد «وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ» مني بأن يكون خالصا لوجهك «وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي» بأن تكون صالحة مرضية أنتفع بها وتنتفع بي في الدنيا والآخرة «إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ» ١٥ قلبا وقالبا «أُولئِكَ» أمثال هذا القائل هم «الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا» في الدنيا من الطاعات، لأن المباحات وإن كانت حسنة إلا أنها قد تكون لا حسنة ولا قبيحة فلا يثاب عليها، ولهذا عبّر بالأحسن جل إحسانه القائل «وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ» فلا نؤاخذهم عليها وسيعدّون «فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ» في الآخرة وكان هذا الوعد بالقبول والتجاوز وإدخال الجنة لهؤلاء الشاكرين التائبين «وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ» ١٦ به في الدنيا على لسان رسلهم لا خلف فيه البتة.

<<  <  ج: ص:  >  >>