للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد يكون الذكر أفضل من الحياة لأنه يحصل في كل مكان بخلافها، حكي أن الطاغية هلاكو بعد أن بلغ ما بلغ من الظفر سأل أصحابه من الملك؟ فقالوا أنت دوخت البلاد، وأطاعتك الملوك، وملكت الأرض، وصار العباد في طوعك، وكان المؤذن إذ ذاك يؤذن، فقال كلا، الملك هذا الذي له أكثر من ستمئة سنة قد مات، وهو يذكر الآن على المآذن كل يوم وليلة خمس مرات ذكرا مكررا من ملايين الناس، يريد محمدا صلّى الله عليه وسلم. ولو لم يقل هذا الجبار هذه الجملة الدالة على حضرة الرسول لصرف قوله إلى الملك الأعظم حضرة المولى جلّ جلاله لأن ذكره على المآذن أكثر من ذكره رسوله صلّى الله عليه وسلم ولاثيب بكلامه هذا ثوابا عظيما يوشك أن يقربه إلى الله، ولكن أبت نفسه بل أبى الله أن يلهمه ذلك، وهو إنما قالها بحق الرسول حسدا ليس إلا. وهذه الآية نزلت في بيت المقدس قبل الهجرة زمن الإسراء، فتصير مكية أيضا، وهي «وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ» ٤٥ قال ابن عباس لما أسري بالنبي صلّى الله عليه وسلم بعث له آدم وولده من المرسلين، فأذن جبريل وأقام الصلاة، وقال يا محمد تقدم فصلّ بهم، فلما فرغ من الصلاة قال له جبريل اسأل يا محمد وتلا الآية، ان قريشا زعمت أن لله شريكا وأن الملائكة بناته، وزعمت اليهود والنصارى أن له ولدا، فاسأل هؤلاء الأنبياء جميعهم هل كان شيء من ذلك، فقال صلّى الله عليه وسلم لا أسأل قد اكتفيت. وقالت عائشة رضي الله عنها: قال عليه السلام ما أنا بالذي أشك، وما أنا بالذي أسأل، فكان صلّى الله عليه وسلم أثبت يقينا من ذلك.

هذا، وقال أبو القاسم المفسر في كتابه التنزيل: نزلت هذه الآية في بيت المقدس ليلة المعراج، فلما أنزلت وسمعها الأنبياء عليهم السلام أقرّوا لله تعالى بالوحدانية وقالوا بعثنا في التوحيد، وبهذا قال الزهري وسعيد بن جبير وابن زيد، وهذا القول أقوى وأوثق من القول بأنها نزلت في السماء ليلة المعراج، لأن الرسول صلّى الله عليه وسلم لم يصلّ بالأنبياء في السماء، وإنما صلى بالملائكة كما بيناه في قصة الإسراء والمعراج أول سورة الإسراء في ج ١، على أن ما وقع في المعراج لا يعد حجة لوجود الخلاف فيه بخلاف الإسراء المجمع عليه وعلى كفر من ينكره، وكانت الصلاة بالأنبياء

<<  <  ج: ص:  >  >>