للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى النمروذ حينما سأله عن ربه فقال «رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ» أي ينشىء الحياة والموت، فلم ينتبه الطاغي إلى المعنى المراد من السيد إبراهيم عليه السلام بل انتبه وانتقل لمعنى آخر ليبرر حجته أمام قومه «قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ» فقال إبراهيم هيا افعل، فأخرج رجلين من السجن حكم عليهما بالموت فقتل أحدهما وعفا عن الآخر، فزعم ذلك الضال على قصر عقله وقلة فهمه أن الإحياء والإماتة هما ما فعله لأنه وأمثاله ينظرون إلى الظاهر أو أنه فعل ذلك تجاهلا كما مر، وكان على السيد إبراهيم أن يقول له أمام قومه أحي من قتلت ليعلموا أن المراد من قوله هذا لا ما فعله ولكنه عليه السلام لم يلتفت إلى حمقه فضرب صفحا عن مجادلته بالحقائق لأنه ليس من أهلها وانتقل إلى حجة أخرى أوضح من الأولى بالنسبة لنمروذ لا تقبل الالتواء وهي ما ألهمه الله أيضا «قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ» وهو ربي «فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ» إن كنت ربا لقومك كما تزعم، فدهش الخبيث من هذا وانقطعت حجته كما أشار بهذا قوله تعالى «فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ» إذ لم يقدر على ما يجاوب به لتمحضه بالكفر «وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» (٢٥٨) إلى الصواب ويعميهم عما يدحضون به خصمهم إذ لو كان موفقا لقال له سل ربك يفعل ذلك أولا لأفعل ذلك بعده، ولكن الكافر ضعيف الرأي قد حجبت ظلمة كفره نور بصيرته وغشت أصداء الجهل رؤية بصره لذلك لا يهتدي إلى الرشد على أنه لو قال لفعل الله ذلك لإبراهيم خليله كما فعل لأنبيائه وأحبابه ما هو أكبر من هذا ولما لم يجد بدا وقد حنقه الغضب فأمر بزجه في النار فزج فيها ونجاه الله كما مر في الآية ٧١ من سورة الأنبياء في ج ٢، وقد استشهد الخليل عليه السلام في هذه الآية على ولاية الله للمؤمنين وأن الكافرين أولياؤهم الشياطين على طريقة ذكر القصتين المارقين في الآيتين ٢٤١/ ٢٤٦ وأشار في هذه أن الله تعالى إذا تولى عبدا ألهمه الصواب والرشد ودله على الفلاح والفوز في أقواله وأعماله وأن من يعدل عن معونة ربه يمنى بالإخفاق والخسار فى الدنيا ويكون مصيره الدمار في الآخرة، وترمي هذه الآية إلى جواز المحاججة في الدين لإظهار كلمة الله واستعمال الحجج العقلية والدلائل الكونية على

<<  <  ج: ص:  >  >>