كونهم «يَبْكُونَ» من خشية الله تعالى خضوعا لجلاله «وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً» ١٠٩ لربهم وانقيادا لحضرته الكريمة ولا تكرار في هذه الآية، لان الأولى لتعظيم أمر الله وشكره لانجاز وعده والثانية لما أثر فيهم من مواعظ القرآن العظيم مما يلين القلب ويرعب الجوارح ويرطب العين ويرعد الأعضاء ويرجف الفؤاد ويرققه، بدليل بكائهم عند سماعه فالسبب مختلف فيها ويدخل في معنى الخرور قوله صلّى الله عليه وسلم إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يترك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه. ولا يمكن من وضعها قبل ركبتيه إلا بهذه الصورة تأمل، وهؤلاء العلماء الممدوحون هم ما ذكرنا آنفا جماعة من مؤمني أهل الكتاب كانوا يتطلبون ويترقبون بعثة الرسول قيل منهم زيد بن عمرو بن نفيل وأبو ذر، وعد بعضهم سلمان الفارسي والنجاشي واتباعه من اليهود والنصارى، والقول الأحسن إنهم طائفة من أهل الكتابين كانوا قبل البعثة عند ما يسمعون وصف الرسول محمد صلّى الله عليه وسلم يقع منهم ما يقع رضي الله عنهم، وجاءت هذه الآية على طريق ضرب المثل على جهة التقريع أي أن أهل التوراة والإنجيل عند سماع ما يتلى عليهم من كتبهم من وصف حضرة الرسول كانوا يبكون ويودون أنهم يدركونه ليؤمنوا به، وأنتم حينما تسمعون كلام الله الذي أنزله عليه لا يندى لكم جبين ولا تستفز جوارحكم، بل تهزأون به وتسخرون، وهو إنّما أرسل رحمة لكم، وأحسن الأقوال أولها وهو ما بين في الآية المفسرة، روي عن أبي هريرة أنه قال
: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا اجتمع على عبد غبار في سبيل الله ودخان جهنم. - أخرجه الترمذي والنسائي وزاد في منخري مسلم أبدا- وأخرج الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله. وأخرج أيضا عن النضر ابن سعد قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لو أن عبدا بكى في أمته لأنجى الله تلك الأمة من النار ببكاء ذلك العبد، وما من عمل إلا وله وزن وثواب إلا الدمعة فإنها تطفئ بحورا من النار، وما اغرورقت عين بمائها من خشية الله تعالى إلا حرم الله تعالى جسدها على النار، فإن فاضت على خده لم يرهق وجهه قتر ولا ذلة.