للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال تعالى «إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ» من قبل نزول القرآن وهم قراء الكتب القديمة كالتوراة والإنجيل والزبور والصحف الذين عرفوا حقيقة الوحي وامارات النبوة وماهية الحق والباطل والتمييز بينها «إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ» هذا القرآن وسمعوه «يَخِرُّونَ» يسقطون حالا «لِلْأَذْقانِ» على وجوههم لأن الأذقان جمع ذقن وهو مجتمع اللحيين، ويطلق على ما ينبت عليها من الشعر، وكذلك يطلق على الوجه من إطلاق الجزء وإرادة الكل فيرمون بأنفسهم على الأرض «سُجَّداً» ١٠٧ تعظيما لأمر الله تعالى وشكرا لأنعامه عليهم بإنزاله وبعثة الرسل لإرشادهم وذلك لأن خوف الله تعالى مستول على قلوبهم، لهذا عند ما يسمعون ذكره يطرحون أنفسهم على الأرض خضوعا لعظمته وخشوعا لهيبته. وإنما لم يقل يسجدون لشدة مسارعتهم حتى كأنهم يسقطون سقوطا على الأرض «وَيَقُولُونَ» في سجودهم هذا «سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا» الذي وعد به خلقه على لسان رسله في الكتب القديمة المؤيدة بهذا القرآن «لَمَفْعُولًا» ١٠٨ كائنا واقعا لا محالة، وأنهم يقولون هذا في حالة السجود وغيرها لتعلق قلوبهم بربهم، ومن جملة وعده في الكتب القديمة إرسال محمد صلّى الله عليه وسلم وإنزال هذا القرآن عليه، وقد اختلف المفسرون بالمراد في هذه الآية فمنهم من قال إن المراد بها ورقة بن نوفل على أن ورقة لم يحضر إنزال هذه السورة لأنه توفي قبلها بكثير، ومنهم من قال عبد الله بن سلام، وهذا لم يسلم بعد حتى الآن، ومنهم من قال إنهم جماعة من أهل الكتاب، لان الوعد ببعثة محمد صلّى الله عليه وسلم مدون في كتبهم وقد كانوا بانتظاره وإنجاز هذا الوعد، فلما رأوا محمدا وسمعوا كتابه عرفوه أنه هو، فخروا سجودا لله تعالى أن أراهم إياه، وهذان القولان لا يصحان أيضا، لان إسلام عبد الله وقع بالمدينة كما سيأتي في الآية ٢٧ من سورة النساء في ج ٣، ولان أهل الكتاب لم يخالطوا محمدا في مكة أبدا، هذا والمقصود من هذه الآية تقرير تحقير أولئك المقترحين والازدراء بشأنهم وعدم الاكتراث بهم وبإيمانهم وامتناعهم منه، وإنهم إذا لم يؤمنوا فقد آمن به من هو خير منهم، قال تعالى «وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ» للرءوس ولم تتكرر هذه الكلمة في القرآن إلا في هذه السورة وفي الآية ٨ من سورة يس المارة، أي يرمون رءوسهم حالة

<<  <  ج: ص:  >  >>