للعاصي في النار وما عليك من كفرهم شيء بعد أن تتقدم لهم بهذين الأمرين قال تعالى «وَقُرْآناً» نون للتعظيم والتفخيم وهو منصوب بفعل مقدر مثل «فَرَقْناهُ» فصّلناه
وبيّنا الحق من الباطل وأنما أنزلناه عليك «لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ» تؤدة وتثبت وترسل فتتلوه عليهم خلال اثنتين وعشرين سنة وشهور وأيام، راجع المقدمة في بحث نزول القرآن تعلم مدى نزول سورة المكية والمدنية، أي لا تقرأه عليهم بالسرعة والعجلة فورا بل تمهّل به لعله يوقر في قلوبهم، أولا بأول، هذا ومن قرأ فرّقناه بالتشديد فقد أضاع المعنى المراد منه أعلاه وما معناه على قراءة التشديد إلا أنه أنزل متفرقا، ومكث بضم الميم وسكون الكاف وقرىء بفتح الميم وضم الكاف قراءة شاذة والمعنى الذي ذكرناه تحتمله القراءتان تدبر «وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا» ١٠٦ عظيما بحسب الحوادث والوقائع والأسئلة وعفوا حسبما هو كائن في أزلنا على الوصف المذكور فيه، وعلى ما تقتضيه الحكمة والمصلحة وتشديد الفعل يفيد التكثير، وذلك لأن تنزيله مفرقا مترادفا متقطعا ومتواليا فيه معنى التكثير، قال تعالى «قُلْ» يا أكرم الرسل للذين كفروا بهذا القرآن الجليل «آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا» اختاروا لأنفسكم أحد الأمرين، واعلموا أن في الإيمان به النعيم المقيم في الجنة الخالدة مع النبيين والصالحين، وفي الكفر به العذاب الأليم الدائم مع فرعون وهامان، وإن إيمانكم بالنسبة له ولمنزله والمنزل عليه وعدمه سواء، لأنه لا يزيده كمالا، وجحودكم لا يورثه نقصا. وفي الآية من التهديد والوعيد ما لا يخفى على حد قوله تعالى (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) الآية ٢٨ من سورة الكهف في ج ٢، وقوله جل قوله (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) الآية ٤٠ من سورة فصلت في ج ٢.
مطلب آيات القرآن عامة مطلقة ونزولها بأشخاص لا يقيدها ولا يمنع شمولها غيرهم:
وقد خص بعض المفسرين هذه الآية بالمقترحين المار ذكرهم وهذا أيضا يقيدها فيهم دون نص بالتقييد أو التخصيص، وليس بشيء وما هؤلاء الذين يريدون حصر معاني القرآن بأناس مخصوصين، والله تعالى أنزله عاما لكل البشر ونزوله في أناس لا يقيد عمومه ولا يخصص إطلاقه بل يبقى على عمومه أبدا شاملا للكل، لذلك فسرناها كغيرها على أنها عامة مطلقة، يدخل فيها المقترحون وغيرهم وهو أولى كما ترى،