وشاهد عدل، فإنه يجوز فيهما الحالان. ثم ذكر بعض أوصاف حضرة الرّسول الذي يريدون مس كرامته مسهم الله بناره، فقال «يُؤْمِنُ بِاللَّهِ» ويوقن بوعده ويوفي بعهده ويصدق بوحدانيته «وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ» بصدقهم ويخشى ظنه بهم ويريد لهم الخير، وقد جاءت التعدية أولا بالباء لأن الإيمان بالله نقيض الكفر فلا يتعدى إلّا بالباء، وثانيا باللام لأنه عبارة في تصديق المؤمنين، فلا يتعدى إلا باللام، تأمل. واعلم أن القرآن هو مصدر العربية ومن بحره أخذ علماؤها قواعدها ووضعوا أصولها، وإياك أن تتصور العكس فيعكس عليك. قال تعالى أنؤمن لك الآية ١١٢ وقال آمنتم له الآية ٤٧ من سورة الشّعراء ج ١، وقال (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) الآية ١٧ من سورة يوسف في ج ٢ بما يدل على ذلك وغيرها في القرآن كثير «وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ» إيمانا كاملا لا نفاقا، وسمي رسول الله صلّى الله عليه وسلم رحمة لأنه يحمل أحكام النّاس على الظّاهر، ولا ينقب عن بواطن أحوالهم، ولا يهتك أسرارهم. قال تعالى «وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ» من المنافقين وغيرهم بالقول أو الفعل أو الإشارة أو اللّمز «لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ٦١» في الآخرة عدا خزي الدّنيا ومن مثالبهم ما قاله تعالى «يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ»«لِيُرْضُوكُمْ» بظواهرهم «وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ»(٦٢) حقا والحال أن الله ورسوله أولى بأن يرضوهما حقيقة لا تصنعا ورياء، وذلك أن المنافقين اجتمعوا في دار أحدهم وصاروا يتداولون في حق الرّسول، فقال وريقة بن ثابت إن كان ما يقوله محمد حقا فهو شر من الحمير، فقال عامر بن قيس من غلمان الأنصار إن ما يقوله محمد حق وأنت شر من الحمير، فحقروه، فجاء فأخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بذلك، فاستدعاهم فسألهم، فأنكروا وحلفوا أن عامرا كذاب، وحلف عامر أنه صادق وأنهم كذبة، وقال اللهم صدق الصّادق وكذب الكاذب، فنزلت هذه الآية. قال تعالى «أَلَمْ يَعْلَمُوا» هؤلاء المنافقون الجلاس وأضرابه «أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» بمخالفة أمرهما أو بمجانبتهما أو بمعاداتهما أو يعاون أعداءهما على ذلك «فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ» استمراره في النّار ودوامه في العذاب «الْخِزْيُ الْعَظِيمُ»(٦٣) في الآخرة