«وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ» محمدا صلّى الله عليه وسلم «وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ» سماع قوى جارحة السّمع كثيرة، ويعبر علماء البيان عن مثل هذا بإطلاق الجزء على الكل مبالغة، أي كأنه كله سمع لشدة سماعه، وقوة حاسته، وعليه قوله:
إذا ما بدت ليلى فكلي أعين ... وإن هي ناجتني فكلي مسامع
كما يطلق الكل على الجزء في مثل قوله تعالى (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) الآية ١٦ من البقرة أي رؤوسها، ويريد المنافقون في هذه الكلمة أنه صلّى الله عليه وسلم يصدق كل ما يسمعه ويقبله دون تحقيق عن صحته، وهذا هو معنى الأذن عندهم، فانهم يطلقون هذه الجارحة على من شأنه سماع الكلام وقبوله على علاته باعتبار أن جملته أذن سامعة ويقصدون بذلك الطّعن به صلّى الله عليه وسلم، أي أنه ليس بعيد غور في الأمور، بل هو سريع الاغترار بكل ما يسمع دون تروّ ونظر، قاتلهم الله وأخزاهم، فإنهم أخذوا شيئا من عادات اليهود بمثل هذا راجع الآية ١٠٥ من سورة البقرة المارة، مع أنهم واليهود سواء، بل هم شر من اليهود) يعلمون علم اليقين أنه صلّى الله عليه وسلم أكمل البشر في حركاته وسكناته ومبرأ من كلّ عيب ومنزّه من كلّ طعن، ولكنهم لا يريدون أن يعترفوا بذلك حسدا وعنادا، وقد أنزل الله هذه الآية في جماعة من المنافقين كانوا يجلسون بعضهم إلى بعض ويقولون ما لا ينبغي بحق الرّسول، كاليهود في هذه العادة، فقال أحدهم نبتل بن الحارث نخاف أن يبلعه قولنا، وكان ينمّ حديث الرّسول إليهم وكان مشوّه الخلقة أزنم ثائر الشّعر أحمر العينين أسفع الخدين، وقد قال فيه صلّى الله عليه وسلم من أحب أن ينظر إلى الشّيطان فلينظر إليه، فقال له الجلاس بن سويد إذا بلغه قولنا ننكره ونحلف له فيصدقنا لأنه أذن. قال تعالى «قُلْ» يا سيد الرّسل لهؤلاء الفجرة هب أني أذن كما تقولون، ولكن «أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ» أسمع ما هو صالح لكم لا ما هو شرّ وفساد، والمعنى أنكم كما تقولون، ولكنه نعم الأذن، لأنه مسمع خير لا على الوجه الذي تذمّونه به، لأنه يقبل منكم ما تقولون وتعتذرون به، مع علمه أنه خلاف الواقع لكرم أخلاقه وعلو آدابه، فإنه يتغافل عما لا يليق ولا يريد أن يكذبكم وقرىء (أذن وخير) بالتنوين وبلا تنوين أذن، وجرّ خير بالإضافة كقولك رجل صدق،