هذه السورة أما ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس قال: لما نزلت «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» الآية ٢١٥ من سورة الشعراء الآتية صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا ونادى: يا بني فهر، يا بني عدي، (بطون من قريش) ، حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أرسل رسولا لينظر ما هو الخبر، فجاء أبو لهب وقريش، فقال:
أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقيّ؟ قالوا نعم ما جرّبنا عليك إلا صدقا، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب تبّا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا! فنزلت السورة، ونقله أكثر المفسرين.
مطلب سبب نزول السورة:
فلا يصح هذا أن يكون سببا لنزولها، لأن هذه الآية لم تنزل بعد ولا يصح أن يكون المؤخر سببا للمقدم كما لا يصح أن يكون المقدم ناسخا للمؤخر. على أن هذا لا يقدح في صحة الحديث لأنه صحيح لا غبار عليه وواقع عند نزول هذه الآية حقا إلا أنه لم يكن سببا لنزول السورة هذه، ولا يبعد أن يكون قول أبي لهب لحضرة الرسول (تبّا لك سائر اليوم) ردا على ما جاء في هذه السورة المتقدمة على هذه الحادثة، والأجدر أن يكون كذلك، لأن العرب قد ترد على كلمة قيلت لهم ولو بعد حين، ألم تر أن المعرّي حين قال للشاعر مهيار الديلمي لما سمع شعره بالعراق بعد أن سمعه في الشام «وأشعر من في العراق» عطفا على قوله قبل عشرين سنة وهو في الشام «أنت أشعر من في الشام» وهذا الشاعر له ديوان يحتوي على ثمانية عشر الف بيت، وهو مطبوع وموجود في مكاتب مصر وغيرها وهذا من بعض ذكاء المعرّي. وحين سقط في يدي أبي لهب يقول الله تعالى «ما أَغْنى عَنْهُ» أي لم ينجه من عذاب الله «مالُهُ وَما كَسَبَ ٢» في دنياه وولد الرجل من كسبه أي ولا ولده. أخرج أبو داود عن عائشة قالت إن أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه أي من ربحه. وأخرجه الترمذي بلفظ الجمع أي إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم