وصار يدعوه إلى الله على الوجه المار ذكره في سورة الأعراف وطه والشعراء الآيات ١٠٣ و ٤٢ و ١٦ فما بعدها، لأن هذه السورة كالتكملة لما تقدم فيها قال تعالى «فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا» التي لا خفاء فيها «بَيِّناتٍ» وطلب منهما أن يؤمنوا بربّه، ويصدقوا رسالته، «قالُوا ما هذا» الذي جئتنا به من اليد والعصا بشيء يركن اليه بأنه من الله الذي تصفه وما هو «إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً» مختلق لا صحة له «وَما سَمِعْنا بِهذا» الإله الذي تدعي رسالته وتدعونا لعبادته «فِي» زمن «آبائِنَا الْأَوَّلِينَ» ٣٦ ولا نحن سمعناه من غيرك وأخيك «وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ» يعني نفسه عليه السلام «وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ» المحمودة في هذه الدنيا لأنها هي التي دعا الله إليها عباده وركب فيهم عقولا ترشدهم إليها، ومكنهم منها وحضّهم على العمل فيها «إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ» ٣٧ بمطلوبهم ولا يفوزون بمرغوبهم، ولا ينجون من محذورهم، يريد بقوله عليه السلام ربي أعلم منكم بحال من أهله للفلاح الأعظم، إذ جعله نبيا، وبعثه بالهدى، ووعده حسن العاقبة، ولو كان كما تزعمون كاذبا ساحرا مفتريا لما أهله لذلك، لأنه غني حكيم لم يرسل الكاذبين، ولا ينيء الساحرين، ولا يفلح عنده الظالمون، فلما سمع فرعون من موسى ما أبهر عقله التفت إلى وزرائه وخاطبهم بقوله «قالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي» يقصد الخبيث إنكار إله موسى وما جاء به من الآيات وتعجب ملئه منه لينكروا عليه أيضا مثل ما أنكر هو، وقال «فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ» كبير وزرائه «عَلَى الطِّينِ» اطبخ لي آجرا وهو أول من طبخه طبخه الله في ناره «فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً» ابن لي قصرا عاليا كالبرج مثل المنارة «لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى» قاتله الله أين هو من إله موسى حتى يطلع عليه قاتله الله. أيظن أنه جل جلاله في مكان كي يصعد اليه، عذبه الله في الصعود راجع الآية ١٧ من المدثر المارة «وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ» ٣٨ في قوله بوجود إله غيري لهذا الخلق، وأنه أرسله إلي، قال هذا لملئه، قاتله الله، مع علمه ببطلانه وعلمه أن له وللكون أجمع إلها قادرا، ولكنه يموّه عليهم ليستميلهم