أيضا، بل يخذلون أسد من خذلان الدنيا، ويعذبون بأفظع من عذابها «وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً» طردا وبعدا وخزيا بأن جعلنا الناس تلعنهم خلفا عن سلف، وصاروا يضربون المثل لكل ظالم بفرعون وملئه ويلعنونهم «وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ» ٤٢ إذ تشوه وجوههم بالسواد وأجسادهم وعيونهم بالزرقة، وزرقة العين مع السواد قبيحة جدا، ولذلك ترى زرقة العين في الدنيا عند بيض الأجسام والوجوه، ولا تجتمع زرقة العين مع سود الجوم البتة، وقد توجد في بعض السمر قليلا جدا بسبب الاختلاط في المناكحة، وهي مكروهة أيضا وهذه الكلمة لم تكرر في القرآن. واعلم أنه لا يجوز لعن واحد بعينه سواء كان مسلما أو كافرا، إلا من تحقق موته على الكفر، أما لعن الجنس فيجوز، بأن تقول لعنة الله على الكافرين، على الظالمين، راجع الآية ٧٨ من سورة المائدة في ج ٣. ولهذا البحث صلة في الآية ٦٠ من سورة الإسراء الآتية فراجعه ففيه الكفاية. قال تعالى «وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى» أقوام هود وصالح وإبراهيم ومن تقدمهم من قوم نوح، وانما قال تعالى من بعد إهلاك هؤلاء وهو أعلم إشعارا بأنها أي التوراة المعبر عنها بالكتاب، نزلت بعد مساس الحاجة إليها تمهيدا لما يعقبه من بيان مساس الحاجة الداعية إلى إنزال القرآن العظيم على محمد صلّى الله عليه وسلم، لأن إهلاك القرون الأولى من موجبات اندراس معالم الشرائع وانطماس آثارها المؤديين إلى اختلال نظام العالم وفساد أحوال الأمم المستدعين إلى لزوم إحداث لزوم تشريع جديد بتقرير الأحوال الباقية على مر الدهور وترتيب الفروع المبدّلة بتبدل العصور وتذكير أحوال الأمم الماضية الخالية الموجبة للاعتبار، ومن لم يرشد إلى هذا فسّر القرون الاولى بمن لم يؤمن بموسى عليه السّلام وهو ليس بشيء، وجعل هذا الكتاب وهو التوراة «بَصائِرَ لِلنَّاسِ» نورا لقلوبهم يبصرون بها الحقائق ويميزون بها بين الحق والباطل، إذ كانوا عميا عن الفهم والإدراك بالكلية، لأن البصيرة نور القلب الذي به يستضيئون، ويستبصر بالبصيرة أهل المعرفة، كما أن البصر العين الذي تبصر الحسيات المادية، «وَهُدىً» من الضلال إذا عملوا بها «وَرَحْمَةً» لمن