فسمتها العابدة أو الخادمة وتضرعت إلى الله أن يعصمها ويجعلها صالحة لأنها من بيت الصالحين فلفتها وألقتها في المسجد لدى سدنته من آل هرون، وحيث كان أبوها امامهم أراد كل منهم ضمها إليه ليربيها، فاقترعوا عليها وألقوا أقلامهم التي كانوا يكتبون بها في نهر الأردن، على أن الذي يظهر قلمه تكون له، فرست كلها وهي تسع وعشرون قلما وطاف قلم زكريا فقط، فأخذها وتكفل بها وتقبلها الله منه ورضيها وأنشأها نشأه حسنة طاهرة مرضية كما ذكر الله، ولما رأى زكريا ما عندها من الفاكهة كما مر في الآية وأن أمها ولدتها بعد الكبر واليأس وكان هو أيضا لم يأته ولد، طمع في ربه عز وجل وقال الذي يقدر على هذا قادر على أن يعطيني ولدا على شيخوختي وانقراض أهل بيتي، قال تعالى «هُنالِكَ» في ذلك الوقت الذي رأى فيه معجزة الولادة مع الكبر ومعجزة وجود الفاكهة بغير أوانها وكل ذلك على خلاف العادة فقد حدا به الحال إلى أن «دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ» وهو جالس في محراب مريم «قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ»(٣٨) فأجابه عزّ وجل بقوله «فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ» جبريل عليه السلام ومرافقوه «وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ» نفسه حالا وقالوا له «أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى» سماه بهذا الاسم لأن الله تعالى أحيا به عقر أمه وكبر أبيه «مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ» أي بعيسى عليه السّلام ابن خالته، لأنه كان بكلمة كن من غير أب فوقع عليه اسم الكلمة ولأن الله تعالى بشر به أمه على لسان جبريل فسمي كلمة، ولأن الله أوحى إلى الأنبياء قبله في الكتب المنزلة أنه يخلق نبيا من غير أب، فلما ولد قالت الأحبار المطلعون على ذلك هذا هو ملك الكلمة أي الوعد الذي وعد الله به، قالوا وولد قبل عيسى بستة أشهر، وهو أول من آمن به، وان عيسى تعمد عنده، وقتل يحيى قبل رفع عيسى إلى السماء كما مر بيانه، وسبب قتله في الآية ٧ من سورة الإسراء ج ١ «وَسَيِّداً» رئيسا ليسود الناس لأنه من بيت الأسياد، وعظيما جليلا مهابا «وَحَصُوراً» لا يأتي النساء هضما لنفسه مع القدرة على الجماع، لأن العنّة نقص والأنبياء مبرءون من النقص المادي والمعنوي «وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ»(٢٩) لإرشاد عبادك وإعلاء كلمتك، أي