المصلوب، وجعلهم رسلا من بعده إلى الناس، ومتّعهم بوصاياه القيمة كما أشرنا إلى هذا في الآية ١٣ من سورة يس ج ١، ومن أراد التفصيل فليراجع إنجيل برنابا عليه السلام ففيه كل شيء يتعلق بهذا وغيره من أمر عيسى عليه الصلاة والسلام وهو أصح الأناجيل وموافق لما جاء في القرآن العظيم. وفي قوله تعالى (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ) إشارة إلى رفع روحه وجسده صلّى الله عليه وسلم ليلة القبض عليه، وردّ لمن قال إن الرفع كان للاهوتية (أي روحه) دون الناسوتية (أي جسده) وفيها إشارة أخرى إلى أنه عليه السلام سينزل إلى الأرض، لأن المعنى رافعك إلى الآن، ومنزلك إلى الأرض ومتوفيك فيها بعد على اعتبار التقديم والتأخير في كون الواو لا تفيد ترتيبا ولا تعقيبا، وقد ألمعنا إلى ما يتعلق بهذا في الآية ٦٦ من سورة الزخرف ج ٢ فراجعها. قال تعالى «فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا» بالذل والعار والتشتيت «وَالْآخِرَةِ» بعذاب الله الشديد والتبكيت «وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ»(٥٦) فيها يحولون دون ما يحل بهم «وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ» في الدنيا بالحياء الطيبة وبالآخرة بالجنة ونعيمها جزاء إيمانهم وتصديقهم وتحملهم الأذى في سبيل الله، وان من لم يفعل الصالحات ويقتدي بنبيه فقد ظلم نفسه «وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ»(٥٧) المتجاوزين حدوده «ذلِكَ» الذي ذكرناه لك يا سيد الرسل من خبر عيسى
وأمه ورفعه وإهلاك عدوه «نَتْلُوهُ عَلَيْكَ» لتخبر به قومك لأنه «مِنَ الْآياتِ» الدالة على صدقك «وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ»(٥٨) المدون في لوحنا المحفوظ المحكم الذي لا يتطرق إليه الباطل ولا يأتيه الخلل، فذكر به أمتك وخاصة وقد نجران وقل لهم لا تعجبوا من كيفية خلق عيسى بلا أب لأن قدرة الله صالحة لأكثر من ذلك، وقل لهم لينتبهوا «إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ» من جهة الخلق «كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ» بلا أب ولا أم وجعله بشرا سويا من لحم ودم وعظام وهو أعظم من خلق عيسى وأبلغ في القدرة من خلق حواء أيضا، لأن التراب ليس فيه مادة من تلك المواد فيكون خلقه أعجب وأغرب من خلق عيسى وحواء لأنهما من مادة فيها تلك المواد المجانسة لمادته، فلا تستبعدوا على الله