يهوذا المراد من إلقاء الشبه ليتم مراد الله، وذات ليلة لم يكن فيها أحد غير المسيح اغتنم الخبيث الفرصة فذهب وأخبر اليهود وجاء معهم فأدخلهم عليه، وعند ما أشار إليهم أنه هو هذا رفعه الله تعالى وألقى شبهه عليه، فأمسكوه وصاروا يلكمونه ويوثقونه فصار يصيح إني لست هو أنا الذي دللتكم عليه على الوجه المار آنفا وذلك قوله تعالى «إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ» مستوفي أجلك الأول من الدنيا إذ انتهت مدة لبثك في الأرض وقابضك من غير موت. ولئلا يصل أعداؤك إليك، ومنتقم لك من عدوك المنافق بالصلب والإهانة، وهذا هو الصواب إذ لو كان المراد الموت كما زعم العير: قال تعالى «وَرافِعُكَ إِلَيَّ» ومجلسك في سمائي مع ملائكتي، وعليه ما جاء في التفسير رافعك الآن ومتوفيك بعد، لأن العطف بالواو لا يقتضي ترتيبا ولا تعقيبا، وصار عليه السلام بعد الرفع إنسيا ملكيا وأرضيا سماويا «وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا» بك من أن يدنوا حضرتك الطاهرة مما أرادوا بك من القتل والصلب والهوان «وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ» وآمنوا بك. إيمانا خالصا «فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا» بك بالعز والنصر والغلبة والحجة الظاهرة «إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ» حتى انقضاء آجالهم في الدنيا والبرزخ «ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ» أنتم وهم في الآخرة ومن اتبعك مخلصا ومن كفر بك «فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ» يوم الجزاء «فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ»(٥٥) من الحق الناصع. قالوا ولما دخلوا عليه ليقضوه أظلمت الأرض والسماء فظن ذروه أن ذلك من أجل صلبه، ولهذا ذكروا هذا السبب في الأناجيل الأربعة، قالوا ولما صلب المنافق الذي شبه به ذهبت إليه أمه ومريم المجدلية التي أبرأها من الجنون وصارتا تبكيان عليه، فجاءهما عيسى عليه السلام إذ نزل به جبريل من السماء وقال لهما إني لم أصلب وان ربي رفعني إلى السماء ولم يعلم اليهود أن الله ألقى شبهي على يهوذا الأسخريوطي الذي دلهم عليّ، وانه هو الذي صلب وعذب وأهين، وان الله ربي حفظني من كيدهم وجازاه بذلك، وجمع الحواريين وأخبرهم بذلك وأمرهم أن يبثوا دعوته في الأرض وخولهم شفاء المرضى وإبراء الأكمه والأبرص، وقد تحققوا ذلك كله لأنهم لم يروا يهوذا حين القبض ولا بعد الصلب بما أقنعهم أنه هو