وكتيبة لبّستها بكتيبة ... حتى إذا التبست نفضت لها يدي
«وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ» أي يقتل بعضكم بعضا، والبأس يطلق على الموت والسيف والشدة والمكروه كما أذاق ذلك بني إسرائيل إذ لم يقبل توبتهم إلا بقتل أنفسهم ففعلوا لأجل قبول توبتهم تخلصا من العذاب الأخروي الدائم لأنهم رحمهم الله عرفوا أن هذه الدنيا فانية وعذابها مهما كان عظيما فهو فان أيضا فاختاروا الدار الباقية طلبا لرضاء ربهم ففادوا بأنفسهم. راجع قصتهم في الآية ٥٤ من سورة البقرة في ج ٣، جاء في الخبر عن سيد البشر أنه قال: سألت الله أن لا يبعث على أمتي عذابا من فوقهم أو من تحت أرجلهم فأعطاني ذلك وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعني وأخبرني جبريل أن فناء أمتي بالسيف. وروى البخاري عن جابر قال: لما نزلت (قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ) الآية المارة قال أعوذ بوجهك (أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) قال أعوذ بوجهك (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً) قال هذا أهون أو هذا أيسر. وروى مسلم عن سعد بن أبي وقاص أنه أقبل مع النبي صلّى الله عليه وسلم ذات يوم من العالية حتى إذا مر بمسجد بني أمية دخل فركع ركعتين وصلينا معه ودعا ربه طويلا ثم انصرف إلينا فقال سألت ربي ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها وسألت ربي أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها وسألت ربي أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها. وأخرج عن خباب بن الأرت قال: صلى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم صلاة فأطالها فقالوا يا رسول الله صليت صلاة لم تكن تصليها قال أجل إنها صلاة رغبة ورهبة إني سألت الله تعالى ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة سألته أن لا يهلك أمتي بسنة فأعطانيها وسألته أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم فأعطانيها وسألته أن لا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها. والأخبار في هذا كثيرة ولم نأت بها استدلالا على سبب النزول لأن منها ما لا يصح لعدم وقوعه إلا بعد نزول الآية بسنين وإنما أتينا بها استدلالا لإيقاع البأس بين هذه الأمة من بعضها وهو واقع لا محالة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولهذا فإن من قال إنها نزلت في أمة خاصة لا يصح إلا إذا قيل باعتبار آخرها ولهذا قال أبو العاليه في هذه الآية: هن أربع وكلهنّ عذاب وقعت اثنتان