هكذا وقال بأصابعه مثل القبة، وانه ليئط به أطيط الرحل الجديد بالراكب، أي من عظمة الرّب جل وعلا وهيبته، وهو منزه عن الثقل والخفة وسائر أوصاف خلقه، وهذا مما يدل على عظمته ايضا. وقد روى أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم انه سمعه يقول ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهراني فلاة من الأرض. وجاء في خبر آخر: إن أرضكم هذه بالنسبة لعرش الرحمن كحلقة ملقاة في فلاة، هذا وقد وصفه الله تعالى في قوله جل قوله (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) الآية ٢٥٦ من البقرة في ج ٣، ووصفه بالمعظم في آيات، وناهيك بذلك. هذا، وقد روى عن أبي شيبة في كتاب صفة العرش، والحاكم في مستدركه، وقال على شرط الشيخين، عن سعد بن جبير عن ابن عباس قال: الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر قدره الا الله، وبما أن من هذه من آيات الصفات التي جرى السلف على ظاهرها دون تأويل أو تفسير، ومشى الخلف على خلافه، فقال بعضهم إن العرش كناية عن ملك الله وسلطانه، وهو غير سديد لمنافاته ظاهر القرآن والحديث، لأنه إذا كان كما قيل فكيف نقنع بقول الله (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ) إلخ الآية المذكورة آنفا، وقوله تعالى (يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ) الآية ١٨ من سورة المؤمن في ج ٢، أيقال يحملون ملكه وسلطانه؟
كلا، وهل كان موسى آخذا بقوائم الملك والسلطان في الحديث المار؟ كلا وما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم والبخاري عن جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ رضي الله عنه، فهل يقال اهتز ملكه وسلطانه؟ كلا لا يقال شيء من ذلك أصلا لأن ذلك أمر معنوي لا يحمل ولا يمسك ولا يهتز لذلك فلا يقوله من له أدنى مسكة من علم أو ذوق، فإن صاحب هذا القول على فرض صحته أراد به تنزيه الله تعالى على طريقة الخلف من كل ما يدل على المكان، لأنه جل ذكره لا يحويه مكان، ولكنه لم يصب الهدف، وإن ما قاله أهل الكلام من أنه مستدير محيط بالعالم، وأنه فلك من الأفلاك أو الفلك الأطلس أو الفلك التاسع، فليس بصحيح، لأن قولهم مبني على