الحدس والظن، كيف وقد ثبت أنه له قوائم وأنه محمول وممسوك، والفلك التاسع عندهم متحرك بحركة متشابهة وهو لا ثقيل ولا خفيف كما يزعمون، وقد جاء في صحيح مسلم في حديث جويرية بنت الحارث ما يدل على أن له زنة هي أثقل الأوزان، ولأن القرآن نزل بلغة العرب، والعرب لا تفهم منه الفلك وما جاء في خبر أبي ذر عن جبير بن مطعم المتقدم ذكره من أنه مثل القبة، لا يستلزم أن يكون مستديرا محيطا كما قالوا، وهؤلاء القوم مازالوا قبلا والى اليوم والى أن ينفخ في الصور لا يقدرون على حصر الأفلاك بأنها تسعة، وان التاسع أطلس ولا كوكب فيه، وانه غير الكرسي علمت قال امية بن الصلت:
مجّدوا الله فهو للمجد أهل ... ربنا في السماء أمسى كبيرا
بالبناء العالي الذي بهر النا ... س وسوى فوق السماء سريرا
شرجعا لايناله طرف عين ... وترى حوله الملائك صورا
جمع اصور وهو المائل العنق لنظره الى العلو، والشرجع العالي المفرط بعلوه، واستوى بمعنى استولى على اكثر أقوال المفسرين أوضحناه في الآية ٥٤ من الأعراف المارة، ودللنا عليه بشواهد كثيرة اتباعا لغيرنا، الا أنه مع شواهده لا يطمئن له الضمير، كما أن ما جاء أنه بمعنى العلو والارتفاع في رواية البخاري، أو أنه بمعنى الاستقرار كما في قوله تعالى:(وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ) الآية ٤٤ من سورة هود، وبقوله تعالى (لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ) الآية ١٣ من الزخرف في ج ٢، ممنوع، لأنه مستحيل على الله تعالى، وذلك لأن الاستيلاء معناه حصول الغلبة بعد العجز وهو محال في حقه تعالى، ولأنه لا يقال استولى على كذا إلا إذا كان له منازع فيه: وهذا في حقّه تعالى محال أيضا، وإنما يقال استولى إذا كان المستولى عليه موجودا قبل، والعرش إنما حدث بتخليقه تعالى وتكوينه له، وأيضا الاستيلاء واحد بالنسبة إلى كل المخلوقات، فلا يبقى إلى تخصيص العرش بالذكر فائدة، لذلك فالأولى أن يفسر بما فسرناه هنا من أنه استواء يليق بذاته كما هو الحال في آيات الصفات، من المجيء، واليد، والقبضة، وغيرها، لأن