القانون الصحيح وجوب حمل كل لفظ ورد في القرآن العظيم على ظاهره، إلا إذا قامت الأدلة القطعية على وجوب الانصراف عن الظاهر، ولا داعي للتأويل بما قد يوجب الوقوع في الخطأ وزلة القدم. وانظر ما قاله السلف الصالح في هذا الباب. روى البيهقي بسنده عن عبد الله بن وهب أنه قال كنا عند مالك بن أنس، فدخل رجل فقال يا أبا عبد الله قال تعالى:(الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) فكيف استواؤه؟ قال فأطرق مالك وأخذته الرّحصاء (العرق الذي يحصل من أثر الحمى) ثم رفع رأسه فقال الرحمن على العرش استوى كما وصف نفسه، ولا يقال كيف، وكيف عنه مرفوع، وأنت رجل سوء صاحب بدعه، أخرجوه، فأخرج الرجل، وفي رواية سمي بن يحيى قال: كنا عند مالك بن أنس فجاء رجل فقال: يا أبا عبد الله، الرحمن على العرش استوى، فكيف استواؤه فأطرق مالك رأسه حتى علته الرحصاء ثم قال الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول والايمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعا فأمر به أن يخرج. وروي عن علي عليه السلام أنه قال: الاستواء غير مجهول (لم يقل معلوما تأدبا، وكان مالك أخذ هذه الجملة عنه رضي الله عنه إن لم نقل أنها من توارد الخاطر) والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
وأخرج اللالكائي في كتاب السنة عن طريق الحسن عن أمه عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها أنها قالت الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإقرار به ايمان، والجحود به كفر. وجاء من طريق ربيعة بن عبد الرحمن أنه سئل كيف استوى ربنا على العرش؟ فقال الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، وعلى الله تعالى إرساله، وعلى رسوله البلاغ، وعلينا التسليم، وروى البيهقي بسنده عن أبي عينية قال كل ما وصف الله تعالى به نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عنه. قال البيهقي والآثار عن السلف في مثل هذا كثيرة واليه ذهب أبو حنيفة وأحمد بن حنبل والحسن بن الفضل الجبلي، ويدل عليه مذهب الشافعي ومشى عليه من المتأخرين أبو سليمان الخطابي، وأهل السنة يقولون في الاستواء على