للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما سيجيء به موسى «فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ» ٣٢ ظاهر لا ريب فيه، روي انها ارتفعت قدر ميل في السماء ثم انحطت مقبلة الى فرعون، فالتجأ لموسى وقال له بحق الذي أرسلك إلا أخذتها، فأخذها فعادت عصا كما كانت، ولما ركد ما بفرعون وقومه من الفزع، قال يا موسى هل لديك آية غير هذه؟ قال نعم «وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ» ٣٣ قيل صار لها شعاع يغشى البصر فعند ذلك «قالَ» فرعون «لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ» ٣٤ فائق به لأنه أرانا عصاه حية، ثم أرانا سمرة يده بياضا ناصعا، وإنه بهذه الشعوذة يا قومي «يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ» التي ملكتموها بدمائكم «بِسِحْرِهِ» هذا الذي رأيتم مدعيا أنه رسول لآله السموات والأرض وما فيهما، وأنا لا أعلم أن لذلك إلها غيري وأنتم تعلمون أني إلهكم «فَماذا تَأْمُرُونَ» ٣٥ أن أعمل به وهو من عرفتم حين كان تحت تربيتي ولما شب قتل رجلا منكم وهرب خوفا من أن أقتصّ به منه، قال لهم هذا على طريق التنفير منه لما بهره من سلطان المعجزة الذي أنساه دعوى الربوبية، فحط نفسه لاستمالة قومه بقتله، ولكنهم ظهروا بمظهر أرقى ومزية أعلى مما دعته اليه نفسه الخبيثة، فأجابوه بما حكا الله عنهم «قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ» أخرهما لا تعجل بقتلهما ولا تعاقبهما حتى يظهر كذبهما الى الخاص والعام من النهي، لئلا يسيء عبيدك فيك ظنّهم، فيقولوا يقتل على غير بينة، قال كيف، قالوا اختبرهما وامتحنهما فإذا ظهر كذبهما تصير معذورا بقتلهما، فلا يقولون انك قتلتهما بغير ذنب، وهذا رأي سديد ونصح صحيح، ولهذا قال سعيد بن جبير للحجاج لما استشار جماعته بقتله وصوبوا رأيه، قال له: وزراء أخيك فرعون احسن من وزرائك، لأنهم أشاروا عليه بما يمنع الناس من ذمه. هذا، ولما قيل إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أقتل عبد الله بن أبي بن سلول قال لا، لئلا يقال إن محمدا يقتل أصحابه، بما يدل على ان وزراء فرعون كانوا على نهاية من التدبير والسياسة للرعية والصدق لملكهم والخوف عليه من سوء السمعة، فيا ليت وزراء الإسلام يغارون دائما على البلاد والعباد ويصونون كلهم ملكهم مما يشوبه، ثم قالوا له «وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>