لهم «وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ»(٤٣) منهم فلم تأذن لهم، هذا، وقد ثبت أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم لم يفعل شيئا طيلة حياته بغير إذن من ربه عز وجل إلّا في هذه الحادثة وواقعة أسرى بدر التي مر ذكرها في الآية ٦٨ من سورة الأنفال، وعفوه عن المتخلفين الآتي ذكرهم في الآية ١١٧ الآتية، وقد عاتبه الله تعالى عليهما وعن هذه أيضا هنا، وعن العفو في الآيات ٦٧ فما بعدها من سورة الأنفال المارة.
ولا دلالة في هاتين الحادثتين على صدور الذنب منه صلّى الله عليه وسلم كما زعم بعضهم، بل هو عمل غايته أنه خلاف الأولى إذ لم يتقدم له من ربه نهي بعد أخذ الفداء والعفو عن الأسرى، كما لم يتقدم له نهي عن إعطاء الإذن بالتخالف لهؤلاء حتى يعدّ ذنبا يكون فيه مخالفا لربه، وحاشاه، وحتى أن أهل العلم لم يعدوه معاتبا عليه لما جاء في هذه الآية من تصديرها بكلمة عفا الله عنك، وقد أخطأ من أول عفا هنا بمعنى غفر، إذ عدّ ما صدر منه خطأ وحاشا ساحة الرّسول من الخطأ فيما ينهاه عنه ربه، بل معنى عفا على ظاهرها، وهي على حدّ قوله صلّى الله عليه وسلم: عفا الله لكم عن صدقة الخيل والرّقيق، ومن قال إن العفو لا يكون إلّا عن ذنب لم يعرف كلام العرب، إذ لو كان هناك ذنب لذكر العفو بعده، لأن ذكر الذنب بعد العفو لا يليق، وقد يأتي العفو بمعنى الزيادة، راجع الآية ٢٧١ من البقرة المارة، لأن قوله عفا الله عنك يدل على المبالغة في التعظيم والتوقير ولا يدل على سابقة ذنب، فهو كما تقول لمن توقره عفا الله عنك ما عملت في أمري، رضي الله عنك بماذا تجاربني عافاك الله، أما تنظر إلي زادك الله خيرا، أما تعطني غفر الله لك، أما تدعو لي، وما أشبه ذلك من كلّ ما يستفتح به الكلام، كأصلحك الله، وأعزك، وأدام بقاءك، وأطال عمرك، قال علي ابن الجهم حينما خاطب المتوكل وقد أمر بنفيه:
عفا الله عنك ألا حرمة ... تعود بعفوك إن أبعدا
ألم تر عبدا عدا طوره ... ومولى عفا ورشيدا هدى
أقلني أقالك من لم يزل ... يقيك ويصرف عنك الرّدى
وأمثال هذا كثير. قال تعالى «لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ