للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الآخر:

احفظ لسانك أيها الإنسان ... لا يلدغنّك إنه ثعبان

كم في المقابر من قتيل لسانه ... كانت تهاب لقاءه الشّجعان

وخفف ما استطعت من الدّنيا، فإنه لا يجتمع حب الدّنيا والآخرة بقلب واحد.

واحذرها فإنها تقمصت بجلد الشّاة على قلب الذئب، قال أبو نواس:

ألا كلّ شيء هالك وابن هالك ... وذو نسب في الهالكين عريق

إذا امتحن الدّنيا لبيب تكشف ... له عن عدو في ثياب صديق

فالدنيا هي الدّاء الدّفين ودواؤه تركها وترك أهلها لأنهم داء لا دواء لهم، قال الحيص بيص:

يا طالب الطّب من داء أصيب به ... إن الطّبيب الذي أبلاك بالداء

هو الطّبيب الذي يرجى لعافية ... لا من يذيب لك الترياق في الماء

فهذا ثعلبة كيف غرّته الدّنيا فخسرها مع الآخرة بسبب الطّمع:

يا ويح من جعل المطامع قائدا ... يقتاده نحو الرّدى بزمام

من كان قائده المطامع لم يفر ... يوما بعيش مسرة وسلام

فنتيجة الطّمع الهلاك، فلا ثرجو خيرا من طمع:

وراعي الشّاة يحمي الذئب عنها ... فكيف إذا الرّعاة لها ذئاب

قال تعالى «فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ» يا حبيبي من غزوتك هذه «إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ» أي المتخلفين بلا عذر ثم جاءوك «فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ» إلى غزوة أخرى «فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا» بسبب «إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ» (٨٣) العاجزين والصّبيان والنّساء وأرباب العاهات، فتبا لكم على اختياركم القعود معهم، أما أنا فقد أغناني الله عنكم وأرجعني وأصحابي بخير، لأن الله وعدني بذلك، ووعده حق، وقد حل بكم النّدم على اختياركم القعود وما فعلتم ولات حين مندم، وقد فاز من فاز بمرافقتي وخسر وخاب من تقاعس، وقد جف القلم بما هو كائن للفريقين. قال تعالى «وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>