عن سورتها المكية التي عددها بحسب النزول، اثنتان وخمسون سورة، فتراهم عاجزين عن الإتيان ببعض سورة من مثل هذا القرآن مهما بلغوا في الفصاحة، لأن كلام الخلق لا يضاهي كلام الخالق، وقد ذكرنا في سورة يونس المارّة عند قوله تعالى (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) الآية ٣٨ أن معناها هناك مثل جميع ما نزل، فلما عجزوا تحداهم الآن بعشر سور، وقيل معناها هناك في الإخبار بالغيب والأحكام والوعد والوعيد لا بسورة واحدة، ومثلها الآية ٨٨ من سورة الإسراء المارة في ج ١، ومعناها هنا في الفصاحة والبلاغة من غير إخبار عن غيب ولا ذكر حكم ولا وعد ولا وعيد، ولهذا فلا دليل لمن قال إن هود نزلت قبل يونس، لأنه تحداهم بعشر سور فلما عجزوا تحداهم بسورة واحدة، تأمل وقد بينا أن يونس نزلت قبل هود على ما عليه الجمهور، وهود بعدها بالتنزيل وفي ترتيب القرآن أيضا، فضلا عن أن هذه الآية والتي بعدها مدنيتان، وأن بينها وبين آية يونس سنين وأشهرا وأياما، هذا ولما تحداهم بهذا الكلام أمره أن يقول لهم «وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ» من شركائكم وأعوانكم وأمثالكم من كل خلقه ليساعدوكم على الإتيان بذلك «إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ١٣» أنه مفترى، ولا تكرار في هذه الآية وآية يونس لأن هذه مدنية وبعشر سور، وتلك مكية،
وبكل سوره النازلة وآية البقرة عدد ٢٣ بخلافها كما سيأتي في تفسيرها في ج ٣. وقد بينا عند تفسير آية يونس ما هو أوضح من هذا فراجعه. قال تعالى «فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ» جاء الضمير بالجمع تعظيما لحضرة الرسول وطبعا لم ولن يستجيبوا لأنهم أقل من ذلك «فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ» هذا القرآن كله يا محمد عليكم «بِعِلْمِ اللَّهِ» تعالى بواسطة أمينه جبريل عليه السلام ليس بمفترى، لأنكم وجميع الخلق لا تقدرون على الإتيان بسورة منه، ولا آية معجزة أيضا «وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» وحده الإله القادر على إنزاله وجعله معجزا للخلق أجمع، فقل لعامة الكفار هو كلام الله «فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ١٤» مذعنون له منقادون لعظمته، خاضعون لأوامره ونواهيه. وبعد إظهاركم العجز عن ما تحداكم به لم يبق شائبة شبهة بأنه من عند غير الله بل من عند الله حقيقة، وأن ما أنتم عليه من الشرك والإنكار باطل،