والخشوع لجنابه والاقنات لباب عزته والاعتراف بكونه موصوفا بصفات الكمال مبرأ عن النقائص أو للمكنى بذاته، وهو إما أن يكون حيوانا فيجب إظهار الشفقة عليه بغاية ما يقدر عليه إنسانا كان أو غيره، وإذا كان جمادا فعلى العاقل أيضا أن ينظر إليه بعين التعظيم من حيث أنه مخلوق لله، لأن كل ذرة من ذرات الوجود فيها سرّ وحكمة لله تعالى ودليل على وجوده وبرهان على توحيده، قال تعالى (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) الآية ٤٥ من الإسراء في ج ١ وقال أمية بن الصلت:
وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد
ففعل المعروف لكل بما يناسبه معروف عند الله وتسر النفس بفعله إذا كانت طيبة طاهرة، ولله در القائل:
ويهتزّ للمعروف في طلب العلا ... لتذكر يوما عند سلمى شمائله
هذا إذا فعله لسلمى، فكيف إذا فعله لربها، فإنه يذكره في ملئه الأعلى، وشتان بين هذا وذاك، فالسعيد من يصرف عمله وماله وجاهه في مرضاة الله، والشقي من يعكس، وكل ميسر لما خلق له، قال:
ولست أرى السعادة جمع مال ... ولكن التقي هو السعيد
هذا إذا رافقته عناية الله، وإلا فكما قال:
إذا المرء لم يخلق سعيدا تحيّرت ... ظنون مربيه وخاب المؤمل
فموسى الذي رباه جبريل كافر ... وموسى الذي رباء فرعون مرسل
روى البخاري ومسلم عن عمران بن حصين أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: خير الناس قرني (أي الزمن الذي هو فيه وهو ما بين الثلاثة والثلاثين سنة والمائة) ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم. قال عمران لا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة ثم ان بعدهم قوما يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن. زاد في رواية: ويحلفون ولا يستحلفون. ورويا عن ابن مسعود خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم تجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته وذلك لقلة يقينهم