الآية، لأن كلا منها فيه ماء، قال تعالى «فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ» كالحيات والدّيدان والأسماك وغيرها «وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ» كالإنسان والطّير وغيرها مما لا نعرفه «وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ» كالبهائم والوحوش وغيرها كثير. ولم يذكر من يمشي على أكثر من أربع كالعناكب والعقارب والرّتيلات وأم أربع وأربعين وأم سبع وسبعين وغيرها لقلتها بالنسبة لذوات الأربع، ولأن اعتماد هذه الحشرات في المشي على أربع فقط وبقية الأرحل تبع لها «يَخْلُقُ اللَّهُ ما يَشاءُ» ممن يعقل ومما لا يعقل وما يعلم وما لا يعلم مما رآه البشر ومما لم يره «إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ» من أنواع الخلق وأجناسه وأصنافه «قَدِيرٌ ٤٥» لا يعجزه
شيء يكوّنه بكلمة كن كما يريده. هذا وقد غلب في في هذه الآية اللّفظ اللائق بمن يعقل على مالا يعقل لشرفه، فجعله أصلا واتبع به ما لا يعقل لخسّنه، وهو أولى من العكس، وقدم من يمشي على بطنه لأنه أعجب ممن يمشي على رجلين وأربع. قال تعالى «لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ» لكل شيء ليعتبر الخلق ويتعظوا بما وقع على الأقوام المخالفين من قبلهم ويرشدوا إلى طريق الهدى، ويعرضوا عن الضّلال «وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ»(٤٦) ويضل من يشاء عنه فيدعه يتخبط في غياهب الجهل طبق ما قدره وقضاه في الأزل ثم أراد أن يقص علينا شيئا من أحوال خلقه فبين جل بيانه أن النّاس بعد بيان هذه الآيات المبينات افترقت إلى ثلاث فرق، واحدة صدقت ظاهرا وكذبت باطنا وهم المنافقون المشار إليهم في قوله تعالى «وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا» بألسنتهم دون اعتقاد صحيح «ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ» عن الطّاعة ويعرض عن الإيمان «مِنْ بَعْدِ ذلِكَ» الاعتراف بهما «وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ»(٤٧) راجع الآية ٨ فما بعدها من سورة البقرة المارة تقف على أحوال المنافقين لأن من يوافق قوله عقيدته ولسانه قلبه هو المؤمن المخلص حقا وصدقا «وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ» بشرع الله «إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ»(٤٨) عنه ومن هؤلاء المنافقين بشر المار ذكره وقصته في الآية ٦٥ من سورة النّساء فراجعها. أما من قال إن هذه