الأولى للنصب وحذفت الياء لدلالة الكسرة عليها. وقرأ يعقوب بإثبات الياء وقفا ووصلا، وقراءتها بفتح النون لحن وخطا، لأن النون تفتح في موضع الرفع لا النصب، أي حتى تشيروا علي وتشهدوا علي حتى لا ألام فيما بعد، لأن الاعتداد بالرأي من الجهل والأنفة، وفي هذه الآية دلالة على استحباب المشاورة والمعاونة بآراء الغير في الأمور المهمة، لان في تبادل الآراء واحتكاكها تظهر الحقيقة، كما تظهر النار باحتكاك الزناد بالحصى. ولهذا البحث صلة في الآية ٣٨ من سورة الشورى في ج ٢ وفي الآية ١٥٩ من آل عمران في ج ٣، «قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ» في الأجساد وآلات الحرب «وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ» بالقتال فنصبر على جهده ونصدق عند اللقاء ولا نكلم إلا بالصدور، وها نحن أولاء متهيئون لأمرك في الحرب والسلم، وهذا شأن الرعية مع الملك إذ ما عليهم إلا الطاعة «وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ» في قتال هذا الملك وعدمه لأنك أنت صاحبة الرأي الصائب فيما يتعلق بملك ورعيتك الذين نحن من جملتهم «فَانْظُرِي ماذا تَأْمُرِينَ» ٣٣ به نطيعه وننفذه، ولما فهمت من كلامهم أنهم ميالون للحرب جنحت إلى الصلح وبيّنت خطأهم في استعجالهم للقاء العدو بما قصه الله تعالى بقوله «قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها» قتلا وسبيا ونهبا لرجالها وأموالها وتخريبا لبنائها وصنائعها ومعاملها مهما كانت «وَجَعَلُوا» فضلا عن ذلك «أَعِزَّةَ أَهْلِها» من ملوك وأمراء ووزراء وعظماء ووجهاء وعلماء «أَذِلَّةً» لإيقاع الهوان بهم من كل وجه لئلا يثوروا عليها، لأنهم لا يرضون بالتخلي عن ملكهم إلا قسرا «وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ» ٣٤ في كل بلدة يفتحونها عنوة وقهرا، بسبب الانكسار والاندحار، وهذه هي عادتهم بأخذ البلاد حربا [صدقت رحمها الله لأنا قد شاهدنا من الافرنسيين ما شاهدنا وهم لم يدخلوا بلادنا حربا فنسأل الله أن ينجينا منهم ومن غيرهم] .
مطلب فراسة الملك وهدية بلقيس لسليمان:
ثم قالت لهم إني لا أريد أن أزعجكم في الحرب، ولو أن قوتكم وعددكم كما ذكرتم خوفا من سوء عاقبة الحرب، لأن الكاسب فيها خسران، فكيف بالخاسر؟
وأني عليمة بها فاتركوني لأرى لكم رأيا غير هذا، فأصغوا لكلامها لأنها من بيت