للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الملك وتعرف عادة الملوك وعواقب الحروب، وقد عرضت لقومها بذلك، لأنها لا تعرف العاقبة إذا خاضت الحرب مع سليمان قبل أن تقف على ما عند سليمان من عدد وعدد، فأخذت الأمر بالسياسة وأحد طرفيها الهدية لانها باطنها خدعة وظاهرها مودة، والحرب خدعة ونتيجة مجهولة من أن يكون الغلب لها أو عليها فقالت «وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ» جمعت الضمير تعظيما وتبجيلا لذلك الملك المهدى إليه، لأنها أحست بعظمة وجلالة قدره من كنايه وحامله «بِهَدِيَّةٍ» عظيمة اصانعهم بها على سلامة ملككم وبقاء مجدكم وعزتكم وصيانة دمائكم، فأختبره بها أملك هو أم نبي، فإن كان ملكا قبل الهدية ورجع عن رأية وإلا حاربناه، وإن كان نبيا لم يقبل الهدية ولم يرض منا إلا باتباع دينه ولا قدرة لنا على حرب الأنبياء، لأنهم يعتمدون على الله لا على قوتهم، والله لا غالب له، قالت هذا وهي مجوسية لا تدين بدين تصديقا لقوله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) الآية ٣٨ من سورة الزمر، وقال تعالى «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) الآية ٨١ من الزخرف في ج ٢، «فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ» ٣٥ بقبولها أم ردها، ولنا بعد ذلك نظر نجتمع إليه ثانيا ونتداوله. وحذفت الألف من (بم) على أنها للاستفهام أي بأي شيء، ويجوز أن تكون بمعنى الذي، يرجع به المرسلون. وكانت لبيبة بمخاطبتهم لأنها عاقلة حنكتها التجاريب، وقد ساست الملك والملوك وعرفت دواخلهم واحتكت بالعظماء وخبرت بواطنهم وموقع الهدايا منهم ولأنها تأخذ بالقلوب وتزيل ما فيها فتحيل الحرب إلى السلم، وتجنح إلى الصلح قال صلّى الله عليه وسلم الهدية تذهب سخيمة القلب. وقال تهادوا وتحابوا. ثم كتبت كتابا الى سليمان عليه السّلام بينت فيه الهدية، وهي على ما قالوا خمسمائة غلام بثياب جواري وحليهن على خمسمائة فرس مغشاة بالديباج، ولجومها وأسرجتها مرصعة بالذهب والجواهر، وخمسمائة جارية على خمسمائة رمكة بثياب غلمان، وألف لبنة من ذهب، ومثلها من الفضة، وتاج مكلل بالدر والياقوت، وحق فيه درة عذراء وجزعة معوجة الثقب، وأرسلتها مع رسلها، وأمرت عليهم من قومها المنذر بن عمرو، وقالت له أنظر إليه حينما يستلم الهدية، فإن نظر إليك بغضب فلا يهولنّك، لأنه

<<  <  ج: ص:  >  >>