ملك ولسنا بسائلين عنه، وإن ببشاشة ولطف فتواضع إليه، فإنه نبي، وذكرت في الكتاب إن كنت نبيا ميز بين الوصائف والوصفاء، وأخبر بما في الحق (وقالت لرأس الوفد إذا عرف ما فيه قل أمرت بأن أطلب منك أن تثقب الدرة وأن تسلك في الخرزة خيطا) وزودتهم بالنصائح وسيرتهم، وكان الهدهد يسمع كل هذا وعند ما سار الوفد بالهدايا طار من وكره، وأخبر سليمان الخبر كله، فأمر سليمان الجن فضربوا لبن الذهب والفضة، وفرشوها في ميدان واسع متصلا بعرشه بطول سبعة فراسخ، وجعلوا حول الميدان حائطا شرفه ذهب أو فضة، وأمر بربط أحسن الدواب البرية والبحرية عن يمين الميدان ويساره، وأمر بإحضار أولاد الجن، فأقامهم عن اليمين واليسار، ثم قعد على سريره والكرسي من جانبه وصف الإنس والجن والوحش والهوام صفوفا بين يديه، محياطين بعضهم ببعض، وأمر بالطيور فصفت بالسماء ونشرت أجنحتها على المعسكر كله، فلما دنا القوم ورأوا الدواب تروث على الذهب والفضة، رموا بما معهم من اللبن، وقيل إنه ترك من فراش الميدان بقدر ما عندهم من اللبن، فلما جاؤا وضعوا ما عندهم بالمحلات الناقصة خوفا من أن يتهموا بأخذه وهو قيل لا مستند ينقضه قولهم الآتي بتسليم الهدايا ثم تقدموا إليه وأدوا له التحية له التحية وسلموه الكتاب والهدايا، ووقفوا بين يديه وقد هالهم ما رأوا من ذلك المشهد العظيم، فأخذ ما عندهم وفض الكتاب، ونظر إليهم بطلاقة وجه وابتسام، فقال لهم أين الحق، فأعطوه إياه، فقال لهم إن فيه درة غير مثقوبة وخرزة معوجة، قالوا صدقت، ففتحه ثم أمر الأرضة فأخذت شعرة بفمها ودخلت في الدرة حتى نفذت منها، وأخذت دودة بيضاء الخيط بفيها وسلكته في الجزعة، ولأجل أن يعرفهم الغلمان من الجواري أمر بإحضار قسم منهما، وأحضر الماء
فأمرهم أن يغسلوا وجوههم، فجعلت الجارية تأخذ الماء بيدها وتضرب به الأخرى وتغسل وجهها، والغلام يأخذ الماء بيديه ويغسل وجهه، فأخبرهم بأن المرتدين ألبسة الغلمان هم الجواري، والمرتدين ألبسة الجواري هم الغلمان، ثم رد الهدية وأمر الرسل بإيصالها، قال تعالى «فَلَمَّا جاءَ» رسل بلقيس «سُلَيْمانَ» بهديتها كتب إليها ما قاله الله تعالى «قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ» نكره على عظمه