نفي العوج يغني عن الاستقامة، ولذلك وصفه به إذ رب مستقيم مشهود له في الاستقامة لا يخلو عن أدنى عوج أو عوج في ذاته ورأيه عند تصفحه وتفحصه «لِيُنْذِرَ بَأْساً» عذابا عظيما في الدنيا والآخرة «شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ» للكافرين به «وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ» عند الله «أَجْراً حَسَناً» ٢ لا أحسن منه وهو الجنة ونعيمها الدائم، يدل عليه قوله «ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً» ٣ لا يتحولون عنه «وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً» ٤ من الملائكة وهم قريش ومن حذا حذوهم، ويدخل في هذه الآية الذين اتخذوا عزيرا والمسيح ولدين له من النصارى واليهود، تنزه عن ذلك تأسيا بهم، راجع الآية ٣٠ من سورة التوبة والآية ١٦ من سورة المائدة في ج ٣، وبما أن قولهم هذا كله بهت وافتراء محض قال تعالى «ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ» أبدا وإنما صدر منهم هذا القول عن جهل مفرط بذات الإله المنزه عن ذلك، وانتفاء العلم قد يكون للجهل بالطريق الموصل إليه، وقد يكون في نفسه محالا لا يستقيم تعلق العلم به كهذا القول، لأنه ليس من العلم لاستحالته «وَلا لِآبائِهِمْ» به علم فإنهم قالوه عن جهل أيضا وتلقوه عنهم جهلا دون نظر وتدبر وتفكر «كَبُرَتْ» هذه الكلمة منهم وعظمت «كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ» من غير أن تحكم بها عقولهم ولكن لا عقل لمن يقولها ما أكبرها من كلمة «إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً» ٥ بحتا غير مطابق للواقع، وبعضهم عرّف الكذب بأنه الخبر الغير مطابق للواقع مع علم قائله أنه غير مطابق للواقع، ولا وجه لهذه الزيادة في الحد لأن الكثيرين يقولون هذا القول ولا يعلمون كونه باطلا غير مطابق للواقع، فظهر أن هذه الزيادة باطلة «فَلَعَلَّكَ» يا سيد الرسل «باخِعٌ نَفْسَكَ» مهلكها «عَلى آثارِهِمْ» حين تولوا عنك لما أنذرتهم ودعوتهم للإيمان حزنا عليهم وتتبع طرفك حسرات عليهم لتباعدهم عنك، شبهه وإياهم برجل فارق أحبته فصار يساقط الدموع على آثارهم وأطلال ديارهم وجدا عليهم وتلهّفا على فراقهم، راجع الآية الثانية من سورة الشعراء في ج ١، وهنا كأنه يشير إلى ما جاء آخر السورة امارة من قوله (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ) وهو وجه المناسبة بمجيئها بعدها، وقد أبان الله تعالى سبب تأسفه