سلام وكان قافلا من الشام فجاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلم حال وصوله المدينة قبل أن يأتي أهله وأسلم، وقال يا رسول الله ما كنت أرى أن أصل إلى أهلي قبل أن يطمس الله وجهي إلى قفاي، لأني سوّفت بالإيمان، ولذلك بادرت إليك وحسن إسلامه رضي الله عنه، وكان إسلامه على الصورة المبينة في الآية ١٠ من سورة الأحقاف في ج ٢ وأسلم معه جماعة من أتباعه وغيرهم بعد نزول هذه الآية العظيمة، وكل ما قيل بأنه أسلم قبل نزول هذه الآية لا صحة له كما أوضحناه هناك فراجعه. واعلم أن صدر هذه الآية لم يكرر في القرآن كله. قال تعالى «إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ» بلا توبة فلا يغفر للمشرك وهو مشرك فإذا تاب غفر لهو يغفر للمذنب وهو مذنب لقوله تعالى «وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ» الكبائر وغيرها فإذا مات مرتكبها بلا توبة فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه. أما من مات على الشرك فهو مخلد في النار، روى مسلم عن جابر قال جاء أعرابي إلى النبي صلّى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما الموجبتان؟ قال من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، ومن مات يشرك به دخل النار. وحمل الآية على التائب باطل لأن الكفر مغفور بالتوبة. قال تعالى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) الآية ٣٨ من الأنفال المارة. فما دون الكفر لأن يغفر بالتوبة من باب أولى، وقد سبقت الآية في بيان التفرقة بينهما، قالوا لما نزل قوله تعالى (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) الآية ٥٢ فما بعدها من سورة الزمر ج ٢ في المدينة وكان نزل قبلها في المدينة الآيات ٦٨ فما بعدها من سورة الفرقان في ج ١ وبعدهما نزلت هذه الآية المفسرة التي نحن بصددها، وبعدها آيات سورة الزمر المذكورة، قال رجل يا رسول الله والشرك؟ فسكت ثم قام إليه مرتين أو ثلاثا، فنزل قوله تعالى «وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً»(٤٨) وإنما سماه الله افتراء لأنه لم يخلقه ولم يكن في علمه أن له شريكا في ملكه، وكان في علمه أن من خلقه من يفتري هذا ويختلقه بهتانا وزورا قال تعالى (وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ) الآية ١٠١ من سورة الأنعام ج ٢ فصارت نسبة الشريك إليه تعالى بهتا وافتراء عليه، فأجابه حضرة الرسول أن الشرك لا يغفر لتلك العلّة