الإصرار على إنكاره وليبادروا للتوبة والاستغفار قبل حلوله، قال تعالى «فَما لَكُمْ» أيها الناس المؤمنون اختلفتم «فِي الْمُنافِقِينَ» وتفرقت كلمتكم في كفرهم بعد أن أعلنوا نفاقهم حتى صرتم من أجلهم «فِئَتَيْنِ» نزلت هذه الآية في أناس من قريش قدموا المدينة وأسلموا، ثم ندموا على إسلامهم فخرجوا من المدينة كهيئة المتنزهين، فلما بعدوا عنها كتبوا إلى رسول الله إنا على الذي فارقناك عليه من الإيمان، ولكنا اجترينا المدينة أي كرهناها واشتقنا إلى أرضنا، ثم أنهم خرجوا في تجارة إلى الشام
فبلغ ذلك المسلمين فقال بعضهم نخرج إليهم ونقتلهم، وقال بعضهم كيف نقتلهم وقد أسلموا وكان رسول الله ساكنا يسمع كلامهم ولا ينهي أحدا منهم، فبين الله لهم حالتهم، أي لم صرتم فريقين في القول بكفرهم «وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ» ردّهم إلى حكم الكفار لاختيارهم دار الكفر على دار الإيمان وصحة الكفرة وتكثير سوادهم على صحبة الرسول وأصحابه، ولذلك غصّهم بالكفر وهذا هو معنى الإركاس «بِما كَسَبُوا» بسبب إظهارهم الارتداد بين قومهم سرا وعلنا واتصافهم بالإسلام ظاهرا مع إبطان الكفر، لأن من يبطن الكفر ويظهر الإسلام أشد ضررا على المسلمين من معاني الكفر، لأنه كفر وغش وخداع وإنما أولنا اركس بمعنى ردّ بناء على ما رواه الضحاك عن ابن عباس، واستدل عليه بقول أمية بن الصلت:
فاركسوا في جحيم النار انهموا ... كانوا عصاة وقالوا الإفك والزورا
وأخرج ابن جرير عن السّدي انها بمعنى أضل، واستدل عليها بقول الراجز:
واركستني عن طريق الهدى ... وصيّرتني مثلا للعدى
وقيل بمعنى نكس والموافق لمعنى الآية والبيت الأول انها بمعنى أغطس. قال تعالى «أَتُرِيدُونَ» أيها المؤمنون القائلون بإيمانهم «أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ» قال لا تقدرون على هدايته أبدا «وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا»(٨٨) لهدايته البتة، وهذه الآية مكررة كثيرا في القرآن في المكي والمدني معنى ولفظا ثم زادهم الله بيانا بحالهم فقال «وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً» مثلهم في الكفر. ثم حذرهم منهم بقوله «فَلا تَتَّخِذُوا