«مَدْحُوراً» ١٨ مطرودا مبعدا من الرحمة خائبا مما كان يأمل من فضل الله ورحمته ورأفته. هذا، وما قيل أن هذه الآية نزلت في المنافق الذي يغزو مع المسلمين لأجل الغنيمة لا الثواب غير وجيه، لأن السورة مكية إلا بعض آيات ليست هذه منها، ولا يوجد في مكة منافقون ولا غزو ولا غزاة إذ ذاك، وقد جاءت بلفظ عام، والمخاطبون بها هم مشركو مكة، وظاهرها يحصر معناها في الكفرة، لأنها تدل على الخلود في النار، وان صرفها الى الفسقة أو المهاجرين لطلب الدنيا والمجاهدين للغنيمة، وهم مؤمنون لا يستقيم على أحوالنا معشر أهل السنة والجماعة لأنا لا نقول إن صاحب الكبيرة يخلد بالنار وإن عقيدتنا تأباه قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) الآيتين ٤٧ و ١١٥ من النساء في ج ٣، ولهذا فإن ما دون الشرك من المعاصي منوط بالمشيئة ولا تحديد على الله أما على أقوال المعتزلة ومن نحا
نحوهم فنعم، لذلك أدرج الزمخشري الشيخ محمود جار الله في كشافه قبل رجوعه عن الاعتزال الفاسق في هذه الآية «وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ» وعمل لأجلها في دنياه توصلا لنعيمها «وَسَعى لَها سَعْيَها» اللائق بها المستحق لها بأن قام بما أمر الله وانتهى عما نهاه عنه «وَ» الحال أنه «هُوَ مُؤْمِنٌ» إيمانا صحيحا بنية خالصة، أما إذا كان كافرا أو عمله للرياء والسمعة والنفاق فلا ينتفع بإرادته إياها ولا بسعيه لها، لأن الله تعالى ذم المرائين بقوله جل قوله الذين يراؤن الآية ٦ من الماعون المارة وكذلك من يتعبد في الكفرة بما يخترعه من الآراء ويزعم أنه يسعى لها، فهؤلاء يكافئهم الله على أعمالهم الحسنة بالدنيا بإطالة أعمارهم وتوسيع رزقهم ومعافاتهم من الأمراض والأكدار حتى يلقوا الله تعالى وليس لهم حسنة يكافئون عليها بالآخرة، كما أن المؤمن قد يجازيه الله على أعماله السيئة بالمرض وضيق العيش ونقد الأولاد حق يلقى الله تعالى وليس عليه سيئة يعاقب عليها، قال بعض السلف الصالح من لم يكن معه ثلاث لم ينفعه عمله، إيمان ثابت، ونية صادقة، وعمل مصيب «فَأُولئِكَ» مريدوا الآخرة الساعون لها بالأعمال الصالحة حالة كونهم مؤمنين بالله ورسله وكتبه آتين بما أمروا به منتهين عما نهو عنه «كانَ سَعْيُهُمْ» في دار الدنيا «مَشْكُوراً» ١٩ في الآخرة مقبولا عند الله يثيبهم عليها بمنه وكرمه وفضله