أو من له علم في الكتب القديمة، وعلى هذا يعود ضميريه إلى الرحمن ويكون المعنى اسأل رسولي أو من له خبرة بما أنزلته من كتاب يعلمك أفعالي بمن كذب الرسل وصدقهم، والأول أولى وأحسن، لأن محمدا صلى الله عليه وسلم أولى بمن يسأل ربه وهو أعلم بربه من غيره، راجع الآية ٤٠ من سورة النحل الآتية، واعلم أن فعل سأل يتعدى بعن إذا ضمن معنى التفتيش، ويتعدى بالياء إذا ضمن معنى الاعتناء، ويتعدى بإلى إذا ضمن معنى الطلب، وإذا كان كذلك فلا حاجة للجري على القول بأن الباء هنا بمعنى عن لأن لك أن تجعلها بمعنى من وإلى أيضا، وغير خاف عليك أن حروف الجر تخلف بعضها كما سننوه به في الآية ٧١ من سورة طه الآتية، قال علقمة بن عبيدة:
فإن تسألوني بالنساء فإنني ... خبير بأدواء النساء طبيب
فقد ضمن الباء هنا معنى عن، وأمثاله كثير في القرآن والحديث والضمير راجع إلى الرحمن كما ذكرنا، وقيل يعود إلى ما ذكر من الخلق الاستواء، والمعنى إن شئت تحقيق ما ذكر أو تفصيله فاسأل عليما به معتنيا بصيرا عظيم الشان محيطا بظواهر الأمور وخوافيها، عارفا بها، يخبرك بقدرته، ومن هذا الخبير الذي يسأله محمد صلى الله عليه وسلم غير ربه جلّ وعلا؟ أي كأنه يقول له اسألني أخبرك لأن من أنشأ هذه الأجرام العظام على هذا النمط الفائق، والنسق الرائق، بتدبير متين، وترتيب مبين، في أوقات معينة مع كمال الإبداع، لجدير بالإخبار عن ماهيتها وبيان ما أودع فيها من حكم جميلة وغايات نبيلة لا تقف على تفاصيلها العقول، وهو أحق أن يسأل لأنه هو وحده القادر على خلقها دفعة واحدة في أقل من لحظة، وهو جدير بأن يطلعك على جليلة أمرها ووضوح حقائقها لا غير، قال تعالى «وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ» لا نعرفه يا محمد من هو، وإنما نعرف رحمن اليمامة يعنون مسيلمة الكذاب، وهذا كقول فرعون لموسى (وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) الآية ٢٣ من سورة الشعراء الآتية، صدق الله بقوله (تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ) الآية ١١٨ من البقرة في ج ٣، لأن ردّ الكفرة للأنبياء من لدن نوح إلى محمد جاء